وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال بشرط أن يكون لذلك الاحتمال موقع وإلا فهو ورع الموسوسين قلت ورع الموسوسين قد بوب له البخاري فقال باب من لم ير الوسواس في الشبهات كمن يمتنع من أكل الصيد خشية أن يكون انفلت من إنسان وكمن ترك شراء ما يحتاج إليه من مجهول لا يدري أماله حرام أم حلال ولا علامة تدل على ذلك التحريم وكمن ترك تناول شيء لخبر ورد فيه متفق على ضعفه ويكون دليل إباحته قويا وتأويله ممتنع أو مستبعد والكلام في الحديث متسع وفي هذا كفاية وقوله إن لكل ملك حمى إخبار عما كانت عليه ملوك العرب وغيرهم فإنه كان لكل واحد حمى يحميه من الناس ويمنعهم عن دخوله فمن دخله أوقع به العقوبة ومن أراد نجاة نفسه من العقوبة لم يقربه خوفا من الوقوع فيه وذكر هذا كضرب المثل للمخاطبين ثم أعلمهم أن حماه تعالى الذي حرمه على العباد وقوله ومن وقع في الشبهات إلخ أي من وقع فيها فقد حام حول حمى الحرام فيقرب ويسرع أن يقع فيه وفيه إرشاد إلى البعد عن ذرائع الحرام وإن كانت غير محرمة فإنه يخاف من الوقوع فيها الوقوع فيه فمن احتاط لنفسه لا يقرب الشبهات لئلا يدخل في المعاصي ثم أخبر صلى الله عليه وسلم منبها مؤكدا بأن في الجسد مضغة وهي القطعة من اللحم سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها وأنها مع صغرها عليها مدار صلاح الجسد وفساده فإن صلحت صلح وإن فسدت فسد وفي كلام الغزالي أنه لا يراد بالقلب المضغة إذ هي موجودة للبهائم مدركة بحاسة البصر بل المراد بالقلب لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهي المدركة العارفة من الإنسان وهو المخاطب والمعاقب والمطالب ولهذه اللطيفة علاقة مع القلب الجسماني وذكر أن جميع الحواس والأعضاء أجناد مسخرة للقلب وكذلك الحواس الباطنة في حكم الخدم والأعوان وهو المتصرف فيها والمتردد لها وقد خلقت مجبولة على طاعة القلب لا تستطيع له خلافا ولا عليه تمردا فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت وإذا أمر الرجل بالحركة تحركت وإذا أمر اللسان بالكلام وجزم به تكلم وكذا سائر الأعضاء وتسخير الأعضاء والحواس للقلب يشبه من وجه تسخير الملائكة لله تعالى فإنهم جبلوا على طاعته لا يستطيعون له خلافا وإنما يفترقان في شيء وهو أن الملائكة عالمة بطاعتها للرب والأجفان تطيع القلب بالانفتاح والانطباق على سبيل التسخير وإنما افتقر القلب إلى الجنود من حيث افتقاره إلى المركب والزاد لسفره إلى الله تعالى وقطع المنازل إلى لقائه فلأجله خلقت القلوب قال الله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وإنما مركبه البدن وزاده العلم وإنما الأسباب التي توصله إلى الزاد وتمكنه من التزود منه هو العمل الصالح ثم أطال في هذا المعنى بما يحتمل مجلدة لطيفة وإنما أشرنا إلى كلامه ليعلم مقدار الكلام النبوي وأنه بحر قطراته لا تنزف وأما كونه محل العقل أو محله الدماغ فليست من مسائل علم الآثار حتى يشتغل بذكرها وذكر الخلاف فيها وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض أخرجه البخاري وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم