هذا الدليل نفهم به غيره من الأدلة من كثير وقليل على أنه قد شهد المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه يأتي من بعده من هو أفقه ممن في عصره وأوعى لكلامه حيث قال فرب مبلغ أفقه من سامع وفي لفظ أوعى له من سامع والكلام قد وفينا حقه في الرسالة المذكورة ومن أحسن ما يعرفه القضاة كتاب عمر رضي الله عنه الذي كتبه إلى أبي موسى الذي رواه أحمد والدارقطني والبيهقي قال الشيخ أبو إسحاق هو أجل كتاب فإنه بين آداب القضاة وصفة الحكم وكيفية الاجتهاد واستنباط القياس ولفظه أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فعليك بالعقل والفهم وكثرة الذكر فافهم إذا أدلى إليك الرجل الحجة فاقض إذا فهمت وامض إذا قضيت فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له آس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك البينة على المدعي واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ومن ادعى حقا غائبا أو بينة فاضرب له أمدا ينتهي إليه فإن جاء ببينته أعطيته حقه وإلا استحللت عليه القضية فإن ذلك أبلغ في العذر وأجلى للعمى ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما ليس في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور عند ذلك واعمد إلى أقربها إلى الله تعالى وأشبهها بالحق المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو نسب أو قرابة فإن الله تعالى تولى منكم السرائر وادرأ بالبينات والأيمان وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس عند الخصومة والتنكر عند الخصومات فإن القضاء عند مواطن الحق يوجب الله تعالى به الأجر ويحسن به الذكر فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس ومن تخلق للناس بما ليس في قلبه شانه الله تعالى فإن الله تعالى لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصا فما ظنك بثواب من الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام ا ه ولأمير المؤمنين علي عليه السلام في عهد عهده إلى الأشتر لما ولي مصر فيه عدة مصالح وآداب ومواعظ وحكم وهو معروف في النهج لم أنقله لشهرته وقد أخذ من كلام عمر رضي الله عنه أنه ينقض القاضي حكمه إذا أخطأ ويدل له ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت هذه لصاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود عليه السلام فقضى به للكبرى فخرجتا إلى سليمان فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينكما نصفين فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى وللعلماء قولان في المسألة قول إنه ينقضه إذا أخطأ والآخر لا ينقضه لحديث وإن أخطأ فله أجر قلت ولا يخفى أنه لا دليل فيه لأن المراد