عبادة متقدم وأجيب بأنه ليس في قصة ماعز ومن ذكر معه على تقدير تأخرها تصريح بسقوط الجلد عن المرجوم لاحتمال أن يكون ترك روايته لوضوحه ولكونه الأصل وقد احتج الشافعي بنظير هذا حين عورض في إيجاب العمرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من سأله أن يحج عن أبيه ولم يذكر العمرة فأجاب بأن السكوت عن ذلك لا يدل على سقوطه إلا أنه قد يقال إن جلد من ذكر من الخمسة الذين رجمهم صلى الله عليه وسلم لو وقع مع كثرة من يحضر عذابهما من طوائف المؤمنين يبعد أنه لا يرويه أحد ممن حضر فعدم إثباته في رواية من الروايات مع تنوعها واختلاف ألفاظها دليل أنه لم يقع الجلد فيقوى معه الظن بعدم وجوبه وفعل على ظاهر أنه اجتهاد منه لقوله جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ظاهر أنه عمل باجتهاده بالجمع بين الدليلين فلا يتم القول بأنه توقيف وإن كان في قوله بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشعر بأنه توقيف قلت ولا يخفى قوة دلالة حديث عبادة على إثبات جلد الثيب ثم رجمه ولا يخفى ظهور أنه صلى الله عليه وسلم لم يجلد من رجمه فأنا أتوقف في الحكم حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين وكنت قد جزمت في منحة الغفار بقوة القول بالجمع بين الجلد والرجم ثم حصل لي التوقف هنا وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبك جنون قال لا قال فهل أحصنت قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فارجموه متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه أي انتقل من الناحية التي كان فيها إلى الناحية التي يستقبل بها وجهه فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبك جنون قال لا قال فهل أحصنت بفتح الهمزة فحاء مهملة فصاد مهملة أي تزوجت قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فارجموه متفق عليه الحديث اشتمل على مسائل الأولى أنه وقع منه إقرار أربع مرات فاختلف العلماء هل يشترط تكرار الإقرار بالزنى أربعا أو لا ذهب من قدمنا ذكره وهم الحسن ومالك والشافعي وداود وآخرون إلى عدم اشتراط التكرار مستدلين بأن الأصل عدم اشتراطه في سائر الأقارير كالقتل والسرقة وبأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لأنيس فإن اعترفت فارجمها ولم يذكر له تكرار الاعتراف فلو كان شرطا معتبرا لذكره صلى الله عليه وسلم لأنه في مقام البيان لا يؤخر عن وقت الحاجة وذهب الجماهير إلى أنه يشترط في الإقرار بالزنى أربع مرات مستدلين بحديث ماعز هذا وأجيب عنهم بأن حديث ماعز هذا اضطربت فيه الروايات في عدد الإقرارات فجاء فيها أربع مرات ومثله في حديث جابر بن سمرة عند مسلم ووقع في طريق أخرى عند مسلم أيضا مرتين أو ثلاثا ووقع في حديث عنده أيضا في طريق أخرى فاعترف بالزنى ثلاث مرات وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض الروايات قد شهدت على نفسك أربع مرات حكاية لما وقع منه فالمفهوم غير معتبر وما كان ذلك إلا زيادة في الاستثبات والتبين ولذلك سأل صلى الله عليه وسلم هل به جنون أو هو شارب خمر وأمر من يشم رائحته وجعل يستفسره عن الزنى