وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أنشدك قال في الفتح ضمن أنشدك معنى أذكرك فحذف الباء أي أذكرك الله رافعا نشيدتي أي صوتي وهو بفتح أوله فنون ساكنة وضم الشين المعجمة أي أسألك الله إلا قضيت لي بكتاب الله تعالى استثناء مفرغ إذ المعنى لا أنشدك إلا القضاء بكتاب الله فقال الآخر وهو أفقه منه كأن الراوي يعرف أنه أفقه منه أو من كونه سأل أهل الفقه نعم فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي فقال قل قال إن ابني كان عسيفا بالعين المهملة والسين المهملة فمثناة تحتية ففاء كأجير وزنا ومعنى على هذا فزنى بامرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام كأنه قد علم صلى الله عليه وسلم أنه غير محصن وقد كان اعترف بالزنى واغد يا أنيس تصغير أنس رجل من الصحابة لا ذكر له إلا في هذا الحديث إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها متفق عليه وهذا اللفظ لمسلم الحديث دليل على وجوب الحد على الزاني غير المحصن مائة جلدة وعليه دل القرآن وأنه يجب عليه تغريب عام وهو زيادة على ما دل عليه القرآن ودليل على أنه يجب الرجم على الزاني المحصن وعلى أنه يكفي في الاعتراف بالزنى مرة واحدة كغيره من سائر الأحكام وإلى هذا ذهب الحسن ومالك والشافعي وداود وآخرون وذهبت الهادوية والحنفية والحنابلة وآخرون إلى أنه يعتبر في الإقرار بالزنى أربع مرات مستدلين بما يأتي من قصة ماعز ويأتي الجواب عنه في شرح حديثه وأمره صلى الله عليه وسلم أنيسا برجمها بعد اعترافها دليل لمن قال بجواز حكم الحاكم في الحدود ونحوها بما أقر به الخصم عنده وهو أحد قولي الشافعي وبه قال أبو ثور كما نقله القاضي عياض وقال الجمهور لا يصح ذلك قالوا وقصة أنيس يطرقها احتمال الأعذار وأن قوله فارجمها بعد إعلامه صلى الله عليه وسلم أو أنه فوض الأمر إليه والمعنى فإذا اعترفت بحضرة من يثبت ذلك بقوله حكمت قلت ولا يخفى أن هذه تكلفات واعلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلى المرأة لأجل إثبات الحد عليها فإنه صلى الله عليه وسلم قد أمر باستتار من أتى بفاحشة وبالستر عليه ونهى عن التجسس وإنما ذلك لأنها لما قذفت المرأة بالزنى بعث إليها صلى الله عليه وسلم لتنكر فتطالب بحد القذف أو تقر بالزنى فيسقط عنه فكان منها الإقرار فأوجبت على نفسها الحد ويؤيد هذا ما أخرجه أبو داود والنسائي عن بن عباس أن رجلا أقر أنه زنى بامرأة فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة ثم سأل المرأة فقالت كذب فجلده جلد الفرية ثمانين وقد سكت عليه أبو داود وصححه الحاكم واستنكره النسائي وعن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عني خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم رواه مسلم وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم رواه مسلم إشارة إلى قوله تعالى أو يجعل الله لهن سبيلا بين به أنه قد جعل الله تعالى لهن السبيل بما ذكره من الحكم وفي الحديث مسألتان الأولى حكم البكر إذا زنى والمراد بالبكر عند الفقهاء الحر البالغ الذي لم يجامع في نكاح صحيح وقوله بالبكر هذا خرج مخرج الغالب لا أنه يراد به مفهومه فإنه يجب على البكر الجلد سواء كان مع بكر أو ثيب كما في قصة العسيف وقوله نفي سنة فيه دليل على وجوب التغريب للزاني البكر عاما وأنه من تمام الحد وإليه ذهب الخلفاء الأربعة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم وادعي فيه الإجماع وذهبت الهادوية والحنفية إلى أنه لا يجب التغريب واستدل الحنفية بأنه لم يذكر في آية النور فالتغريب زيادة على النص وهو ثابت بخبر الواحد فلا يعمل به لأنه يكون ناسخا وجوابه أن الحديث مشهور لكثرة طرقه وكثرة من عمل به من الصحابة وقد عملت الحنفية بمثله بل بدونه كنقض الوضوء من القهقهة وجواز الوضوء بالنبيذ وغير ذلك مما هو زيادة على ما في القرآن وهذا منه وقال