إني أسرق من زوجي فكف حتى أرسل إلى أبي سفيان يتحلل لها منه فقال أما الرطب فنعم وأما اليابس فلا وهذا المذكور يدل على أنه قضى على حاضر إلا إنه خلاف ما بوب له البخاري والحاصل أن القصة مترددة بين كونه فتيا وبين كونه حكما وكونه فتيا أقرب لأنه لم يطالبها ببينة ولا استحلفها وقد قيل إنه حكم بعلمه بصدقها فلم يطلب منها بينة ولا يمينا فهو حجة لمن يقول إنه يحكم الحاكم بعلمه إلا أنه مع الاحتمال لا ينهض دليلا على معين من صور الاحتمال إنما يتم به الاستدلال على وجوب النفقة على الزوج للزوجة وأولاده وعلى أن لها الأخذ من ماله إن لم يقم بكفايتها وهو الحكم الذي أراده المصنف من إيراد الحديث هذا هنا في باب النفقات وعن طارق المحاربي رضي الله عنه قال قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس ويقول يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك فأدناك رواه النسائي وصححه بن حبان والدارقطني وعن طارق المحاربي رضي الله عنه هو طارق بن عبد الله المحاربي بضم الميم وحاء مهملة روى عنه جامع بن شداد وربعي بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد المثناة التحتية بن حراش بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء والشين المعجمة قال قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس ويقول يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك فأدناك رواه النسائي وصححه بن حبان والدارقطني الحديث كالتفسير لحديث اليد العليا خير من اليد السفلى وفسر في النهاية اليد العليا بالمعطية أو المنفقة واليد السفلى بالمانعة أو السائلة وقوله ابدأ بمن تعول دليل على وجوب الإنفاق على القريب وقد فصله بذكر الأم قبل الأب إلى آخر ما ذكره فدل هذا الترتيب على أن الأم أحق من الأب بالبر قال القاضي عياض وهو مذهب الجمهور ويدل له ما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة فذكر الأم ثلاث مرات ثم ذكر الأب معطوفا بثم فمن لا يجد إلا كفاية لأحد أبويه خص بها الأم للأحاديث هذه وقد نبه القرآن على زيادة حق الأم في قوله ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وفي قوله وأختك وأخاك ثم أدناك إلى آخره دليل على وجوب الإنفاق للقريب المعسر فإنه تفصيل لقوله وابدأ بمن تعول فجعل الأخ من عياله وإلى هذا ذهب عمر وبن أبي ليلى وأحمد والهادي ولكنه اشترط في البحر أن يكون القريب وارثا مستدلا بقوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك واللام للجنس وعند الشافعي أن النفقة تجب لفقير غير مكتسب زمنا أو صغيرا أو مجنونا لعجزه عن كفاية نفسه قالوا فإن لم يكن فيه إحدى هذه الصفات الثلاث فأقوال أحسنها تجب لأنه يقبح أن يكلف التكسب مع اتساع مال قريبه والثاني المنع للقدرة على الكسب فإنه نازل منزلة المال والثالث أنه يجب نفقة الأصل على الفرع دون العكس لأنه ليس من المصاحبة بالمعروف أن يكلف أصله التكسب مع علو السن وعند الحنفية يلزم التكسب لقريب محرم فقير عاجز عن الكسب بقدر الإرث هكذا في كتب الفريقين وفي البحر نقل عنهم ما يخالف هذا وهذه أقوال لم يسفر فيها وجه الاستدلال وفي قوله تعالى وآت ذا القربى حقه ما يشعر بأن للقريب حقا على قريبه والحقوق متفاوته فمع حاجته للنفقة تجب ومع عدمها فحقه الإحسان بغيرها من البر والإكرام