عن بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده متفق عليه كلمة ما نافية بمعنى ليس وحق اسمها وخبرها ما بعد إلا والواو زائدة في الخبر لوقوع الفصل بإلا قال الشافعي معناه ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده إذا كان له شيء يريد أن يوصي فيه لأنه لا يدري متى تأتيه منيته فتحول بينه وبين ما يريد من ذلك وقال غيره الحق لغة الشيء الثابت ويطلق شرعا على ما يثبت به الحكم والحكم الثابت أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا ويطلق على المباح بقلة فإن اقترن به على ونحوه كان ظاهرا في الوجوب وإلا فهو على الاحتمال وفي قوله يريد أن يوصي ما يدل على أن الوصية ليست بواجبة عليه وإنما ذلك عند إرادته وقد أجمع المسلمون على الأمر بها وإنما اختلفوا هل هي واجبة أم لا فذهب الجماهير إلى أنها مندوبة وذهب داود وأهل الظاهر إلى وجوبها وحكي عن الشافعي في القديم وادعى بن عبد البر الإجماع على عدم وجوبها مستدلا من حيث المعنى بأنه لو لم يوص لقسم جميع ماله بين ورثته بالإجماع فلو كانت الوصية واجبة لأخرج من ماله سهم ينوب عن الوصية والأقرب ما ذهب إليه الهادوية وأبو ثور من وجوبها على من عليه حق شرعي يخشى أن يضيع إن لم يوص به كوديعة ودين لله تعالى أو لآدمي ومحل الوجوب فيمن عليه حق ومعه مال ولم يمكنه تخليصه إلا إذا أوصى به وما انتفى فيه واحد من ذلك فلا وجوب وقوله ليلتين للتقريب لا للتحديد وإلا فقد روي ثلاث ليال وقال الطيبي في تخصيص الليلتين والثلاث تسامح في إرادة المبالغة أي لا ينبغي أن يبيت زمانا وقد سامحناه في الليلتين والثلاث فلا ينبغي أن يتجاوز ذلك وروى مسلم عن بن عمر راوي الحديث أنه قال ولم أبت ليلة إلا ووصيتي مكتوبة عندي وأما ما أخرجه بن المنذر بسند صحيح عن نافع أنه قيل لابن عمر في مرض موته ألا توصي قال أما مالي فالله أعلم ما كنت أصنع فيه فيجمع بينه وبين ما قبله بأنه كان يكتب وصيته ويتعاهدها وينجز ما كان يوصي به حتى وفد عليه الموت ولم يكن له شيء يوصي به وفي قوله أما مالي فالله أعلم ما كنت أصنع فيه ما يدل لهذا الجمع واستدل بقوله مكتوبة عنده على جواز الاعتماد على الكتابة والخط وإن لم يقترن بشهادة وقال بعض أئمة الشافعية إن ذلك خاص بالوصية وأنه يجوز الاعتماد على الخط فيها من دون شهادة لثبوت الخبر فيها ولأن الوصية لما أمر الشارع بها وهي تكون مما يلزم من حقوق ولوازم كان حقها أن تجدد في الأوقات واستصحاب الإشهاد في كل لازم يريد أن يتخلص منه خشية مفاجأة الأجل متعسر بل متعذر في بعض الأوقات فيلزم منه عدم وجوب الوصية أو شرعيتها بالكتابة من دون شهادة إذ لا فائدة في ذلك وقد ثبت الأمر المذكور في الحديث بها فدل على قبولها من غير شهادة وقال الجماهير المراد مكتوبة بشرطها وهو الشهادة واستدلوا بقوله تعالى