يحصل مقصود الحج بما ذكره فإنه يشتمل على الوقوف والمبيت بمزدلفة ومنى والرمي وإحياء تلك البقاع بالطاعات وغير ذلك وهذا الذي قاله لا يبعد قول مثله على أصل المذهب فإن عمارات المساجد غيره بالجماعات من فروض الكفايات فكذلك عمارة الكعبة بالحج والعمرة وهو أولى انتهى كلام التادلي وهو ظاهر والله أعلم فينبغي لمن حج الفرض أن ينوي القيام بفرض الكفاية ليحصل له ثواب ذلك وقال في الإحياء في كتاب النكاح يكره للحاضر بمكة مقيما أن لا يحج في كل سنة قال والمراد بهذه الكراهة ترك الأولى والفضيلة انتهى قلت والظاهر أنه موافق لمذهبنا والله أعلم تنبيه تحصل مما تقدم أن الحج على ثلاثة أقسام فرض عين وفرض كفاية وتطوع قال الزركشي من الشافعية وهذا الثالث يحتاج إلى تصوير لأن القاصد للبيت إن كان عليه فرض الإسلام سقط عنه وكان قائما بفرض الكفاية أيضا ومن لم يكن عليه فرض الإسلام كان قائما بفرض الكفاية فلا يتصور لنا حج تطوع قال وصوره بعضهم في العبيد والصبيان لأن فرض الكفاية لا يتوجه إليهم قال وهذا فيه التزام السؤال بالنسبة إلى المكلفين ثم إنه لا يبعد وقوعه فرضا ويسقط بهم فرض الكفاية عن المكلفين كما في الجهاد وصلاة الجنازة قال وقيل هنا جهتان جهة تطوع وهي من حيث إنه ليس عليه فرض العين وجهة فرض الكفارة من حيث إحياء الكعبة قال وهذا فيه التزام السؤال لأنه لم يخلص لنا حج تطوع قال ولا يقال إذا أتى به من يحصل به الإحياء لا يكون فرضا في حق غيره لأنه لا يقع إلا في زمن واحد وإن تقدم إحرام بعضهم على بعض لأنهم حكموا بأن ما كان فرض كفاية لا يختلف الحال فيه بين أن يحصل في زمن واحد وأزمان كما قالوا في صلاة الجنازة ورد السلام انتهى وهذا والله أعلم إنما يشكل على مذهبهم في أن من كان عليه فرض الإسلام وأحرم بنفل ينقلب فرضا وعلى ما يقتضيه كلامه من أنه إذا خوطب به على جهة الكفاية كان حكمه مساويا لحكم فرض الإسلام من أنه إذا أحرم بنفل ينقلب فرض كفاية وأما على مذهبنا في أن من أحرم بنفل انعقد إحرامه وإن كان عليه الفرض فيمكن تصويره وذلك أن من حج فرض الإسلام يطلب بإحياء الكعبة بالحج على جهة الكفاية فإذا قام بذلك جماعة سقط الطلب بفرض الكفاية عن الباقين وصاروا مطلوبين به على جهة الندب فمن جاء منهم بعد ذلك ونوى القيام بفرض الكفاية حصل له ومن لم ينو إلا التطوع فحجه تطوع بل لو لم يقم بفرض الكفاية أحد وأحرم الجميع بنية التطوع انعقد إحرامهم تطوعا ولا يحصل لهم ثواب فرض الكفاية إلا بنية فتأمله والله أعلم وتحصل أيضا أن فرض الإسلام يجب مرة واحدة في العمر وفرضية ذلك ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع ولا يحتاج للتطويل بها لشهرتها وفيما تقدم كفاية فمن جحد وجوبه فهو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل ومن تركه بعد الاستطاعة إليه فقال في الرسالة فالله حسيبه قال الجزولي أي لا يتعرض له وقال القاضي عياض في قواعده وعظ وزجر ووبخ انتهى وقال بعض العلماء إنه يقتل والله أعلم وأنكرت الملحدة الحج وقالت إن فيه التجرد من الثياب وهو يخالف الحياء وفيه السعي وهو يخالف الوقار ورمى الجمار لغير مرمى فصاروا إلى أن هذه الأفعال كلها باطلة إذ لم يعرفوا لها حكمة وجهلوا أنه ليس من شرط العبد مع المولى أن يفهم المقصود بجميع ما يأمره به ولا أن يطلع على فائدة تكليفه وإنما يتعين عليه الامتثال ويلزمه الانقياد من غير طلب فائدة ولا سؤال عن مقصود ولهذا كان قوله عليه السلام لبيك حقا حقا لبيك تعبدا ورقا انتهى من القرطبي في سورة آل عمران والله أعلم وأما العمرة فهي سنة مؤكدة مرة في العمر وأطلق المصنف رحمه الله في قوله إنها سنة مرة في العمر ولا