ما عرف وإن لم تكن عليه نجاسة كان مستعملا في حدث وقد عظم الاختلاف فيه وأما غير الجنب فلا بأس به عند مالك وأبي حنيفة والشافعي وقال أصبغ لا يجوز الوضوء بذلك وكذلك ما يغسل فيه الثوب الطاهر وشبهه من الطهارات ومذهبه خارج عن الجماعة من حيث السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قيد ذلك بالجنابة ومن حيث النظر فإن أديم الجلد إذا كان طاهرا ولم يكن عليه ما يغير صفة من صفات الماء كان مرور الماء عليه كمروره على أديم القرب انتهى وذكر ابن ناجي نحوه وأما الحوض ونحوه فقال في المدونة ولا يغتسل الجنب في الماء الدائم فإن فعل أفسده إذا كان مثل حياض الدواب إلا أن يكون غسل موضع الأذى قبل دخولها فلا بأس به قال ابن ناجي أشار ابن الحاجب إلى أن قوله أفسدها يحتمل الكراهة والتنجيس والصواب حملها على التنجيس وعليه يقوم منه مثل ما نص عليه ابن رشد أن آنية الغسل لا تنجسها القطرة ونحوها من النجاسة بل ما له بال كالذي على جسد الجنب انتهى وهذا الذي اختاره ابن ناجي إنما يأتي على مقابل المشهور أن اليسير إذا حلته نجاسة أفسدته وإن لم تغيره وهو قول ابن القاسم ورواية المصريين عن مالك وعلى أن نحو الجرة والزير والحوض يسير وأما على القول المشهور الذي مشى عليه المصنف فهو طاهر مطهر قال في الجلاب ويكره للجنب أن يغتسل في ماء واقف إذا كان يسيرا ووجد منه بدلا فإن لم يجد غيره جاز أن يغتسل به ويصير مستعملا ويكره لغيره أن يغتسل به وهو مع ذلك طاهر مطهر وكذلك يكره له أن يغتسل في بئر قليلة الماء فإن كانت كثيرة الماء فلا بأس انتهى بل لا كراهة فيه إذا لم يجعل الجرة والزير والحوض من الكثير كما مشى عليه المصنف وفي العمدة لابن عسكر نحو ما في الجلاب ونصه في المكروهات وانغمس فيه جنب انتهى فإن قلت هذا الذي ذكرته مخالف لإطلاق المصنف قلت أما المستبحر الكبير فلا إشكال في خروجه من كلامه وأما ما عداه فيدخل في إطلاق كلامه ولا منافاة بينه وبين ما تقدم لأنا إن حملنا قول المصنف يغتسل فيه على أن مراده أنه يتكرر الاغتسال فيه وإذا كان كذلك فلا إشكال في الكراهة لأنه يسرع إليه التغير ولا يفطن به ولا يسلم غالبا من اغتسال جنب أو غسل نجاسة وقد ذكر في البيان أنه يكره الاغتسال من ماء الحمام لكونه يسخن بالأقذار والنجاسات ولاختلاف الأيدي فيه فربما يتناول أخذه بيده من لا يتحفظ لدينه فإذا كره ذلك لاختلاف الأيدي فما بالك بما يكثر فيه الاغتسال ولما يخشى من سرعة التغير ولو لم يظهر بل قال ابن القاسم في آخر سماع أبي زيد في حياض الريف التي يغتسل فيها النصارى والجنب لا يتوضأ منها ولا يجيز لأحد الغسل فيها لأنها نجسة قال ابن رشد هذا صحيح لما يغلب على الظن من حصول النجاسة الكثيرة فيه وإن لم يتبين تغير أحد أوصافه من ذلك انتهى ومثل هذا في الواضحة ولمالك في رسم حلف لا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم في بعض الروايات من هذا الكتاب وقال قبله في حوض الحمام وإنما حكم بنجاسته لكثرة المنغمسين فيه إذ يبعد أن تكون أجسامهم جميعها طاهرة ولم يذكر في ذلك خلافا قلت وهذا على أصل ابن القاسم أن الماء اليسير ينجسه قليل النجاسة ولو لم يغيره وعلى قوله أيضا إن مثل الحوض يسير وقول ابن رشد هذا صحيح أي على مذهب ابن القاسم وأما على قول مالك فينظر إلى الماء فإن تغير أحد أوصافه فهو غير طهور وإن لم يتغير شيء من أوصافه فهو طهور لأنه يكره استعماله لكثرة المغتسلين فيه والغرض من ذكر كلام ابن رشد بيان أن كثرة المغتسلين في الماء توجب غلبة الظن بنجاسته وإن لم يتغير عند من يقول بالنجاسة والظاهر أن ذلك يقتضي كراهته على المشهور وعلى