إن السيول تكاثرت وعظمت فأحرجت مشربها وأحالت الماء من ممره القديم إلى ممر آخر فصار يسقي السفلي وتعطلت العليا واندرس مشربها مدة سنين فأراد أهل العليا أن يعمروا مشربهم ويتسببوا للماء فمنعهم أهل السفلى فهل لهم ذلك أم لا فأجبت أولا لأهل الأرض العليا أن يعمروا مشربهم المندرس وليس لأهل السفلى منعهم من ذلك وليس لأهل الأرض العليا أن يسدوا المشرب الذي أحدثته السيول للماء قبل بلوغه إلى أرضهم لأن الماء غيث يسوقه الله إلى من يشاء قال الله تعالى ولقد صرفناه بينهم ليذكروا يريد المطر فإذا صرفه إلى قوم فلا ينبغي لأحد أن يقطعه عنه ثم حصل عندي توقف في ذلك لكون الأرض التي تسقى أسفل من الأرض الأخرى أما إذا كان المشرب الذي انفتح تشرب به أرض أعلا من أرض هؤلاء الذين يريدون سد المشرب المنفتح فليس لهم ذلك بلا توقف وقطعت السؤال الذي كتبت عليه الجواب أولا والله أعلم والمسألة في سماع عيسى من كتاب السداد والأنهار ونقله في النوادر ونقله ابن عرفة والله سبحانه أعلم كتاب في بيان أحكام الوقف والهبة واللقطة قال ابن عرفة الوقف مصدرا إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديرا فتخرج عطية الذوات والعارية والعمرى والعبد المخدم حياته يموت قبل موت ربه لعدم لزوم بقائه في ملك معطيه لجواز بيعه برضاه مع معطاه وقول ابن عبد السلام إعطاء منافع على سبيل التأبيد يبطل طرده بالمخدم حياته ولا يرد بأن جواز بيعه ممنوع اندراجه تحت التأبيد لأن التأبيد إنما هو في الإعطاء وهو صادق على المخدم المذكور لا في لزوم بقائه في ملك معطيه وهو اسما ما أعطيت منفعته مدة إلى آخره وصرح الباجي ببقاء ملك المحبس على محبسه وهو لازم تزكية حوائط الأحباس على ملك محبسها وقول اللخمي آخر الشفعة الحبس يسقط ملك المحبس غلط انتهى ويخرج من حد ابن عرفة الحبس غير المؤبد وقد صرح بجوازه ابن الحاجب والمصنف ثم قال ابن عرفة وهو مندوب إليه لأنه من الصدقة ويتعذر عروض وجوبه بخلاف الصدقة انتهى وقال في المقدمات والأحباس سنة قائمة عمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده انتهى وقال في اللباب حكمه الجواز خلافا لأبي حنيفة وحقيقته لغة الحبس وشرعا حبس عين لمن يستوفي منافعها على التأبيد انتهى قال النووي وهو مما اختص به المسلمون قال الشافعي رضي الله عنه لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته دارا ولا أرضا تبررا بحبسها وإنما حبس أهل الإسلام انتهى وقوله مملوك تصوره واضح واحترز به من وقف الإنسان نفسه على نوع ما من العبادات كذا ذكر ابن عبد السلام عن الغزالي ولما كان كلامه شاملا لكل مملوك بين ما هو داخل وما فيه تردد بقوله وإن بأجرة إلى قوله تردد وظاهر كلامه سواء كان مشاعا أو غير مشاع قال ابن الحاجب يصح في العقار المملوك لا المستأجر من الأراضي والديار والحوانيت والحوائط والمساجد والمصانع والآبار والقناطر والمقابر والطرق شائعا وغيره قال في التوضيح قوله شائعا أو غيره يعني يجوز وقف العقار سواء كان شائعا كما لو وقف نصف دار أو غير شائع ولا يريد المصنف أنه يجوز وقف المشاع من غير إذن شريكه فإن ذلك لا يجوز ابتداء أعني فيما لا يقبل القسمة واختلف إن فعل هل ينفذ تحبيسه أم لا وعلى الثاني اقتصر اللخمي آخر الشفعة قال لأن الشريك لا يقدر على بيع جميعها وإن فسد فيها شيء لم يجد من يصلحه معه واختار ابن زرب الأول اللخمي وإن كانت مما تنقسم جاز له الحبس إذ لا ضرر عليه في ذلك وسأل ابن حبيب ابن الماجشون