والحواس الظاهرة توصل للباطنة وهي توصل للنفس والمحرك للحواس هو القلب اللحماني والنفس والروح بمعنى تنبيه ينبني على هذا الخلاف مسألة من الجراح وهي من شج في رأسه مأمومة أو موضحة خطأ فذهب عقله قال في المقدمات فله على مذهب مالك دية العقل ودية المأمومة أو الموضحة لا يدخل بعض ذلك في بعض إذ ليس الرأس عنده محل العقل وإنما محله في مذهب مالك القلب وهو قول أكثر أهل الشرع فهو كمن فقأ عين رجل وأذهب سمعه في ضربة وعلى مذهب ابن الماجشون إنما له دية العقل لأن محله عنده وعند أبي حنيفة الرأس وهو مذهب أكثر الفلاسفة وهو كمن أذهب بصر رجل وأفقأ عينه في ضربة وهذا في الخطأ وأما في العمد فيقتص منه من الموضحة فإن ذهب عقل المقتص منه فواضح وإن لم يذهب فدية ذلك في مال الجاني وفي المأمومة له ديتها ودية العقل الثالث في دليل وجوبها وقد تقدم في أول الكلام لما ذكرنا حكمها وبه عبر ابن راشد فقال الثاني في بيان حكمها وذكر ما تقدم الرابع في حكمة مشروعيتها وحكمة ذلك والله تعالى أعلم تمييز العبادات عن العادات ليتميز ما هو لله تعالى عما ليس له أو تتميز مراتب العبادات في أنفسها لتمييز مكافأة العبد على فعله ويظهر قدر تعظيمه لربه فمثال الأول الغسل يكون عبادة وتبردا وحضور المساجد يكون للصلاة وفرجة والسجود لله أو للصنم ومثال الثاني الصلاة لانقسامها إلى فرض ونفل والفرض إلى فرض على الأعيان وفرض على الكفاية وفرض مندور وفرض غير مندور ومن هنا يظهر كيفية تعلقها بالفعل فإنها للتمييز وتمييز الشيء قد يكون بإضافته إلى سببه كصلاة الكسوف والاستسقاء والعيدين وقد يكون بوقته كصلاة الظهر أو بحكمه الخاص به كالفريضة أو بوجود سببه كرفع الحدث فإن الوضوء سبب في رفع الحدث فإذا نوى رفع الحدث ارتفع وصح الوضوء ولما كانت حكمة مشروعيتها ما ذكر كانت القرب التي لا لبس فيها لا تحتاج إلى نية كالإيمان بالله وتعظيمه وجلاله والخوف من عذابه والرجال لثوابه والتوكل عليه والمحبة لجماله وكالتسبيح والتهليل وقراءة القرآن وسائر الأذكار فإنها متميزة لجنابه سبحانه وتعالى وكذلك النية منصرفة إلى الله سبحانه وتعالى بصورتها فلا جرم لم تفتقر النية إلى نية أخرى ولا حاجة للتعليل بأنها لو افتقرت إلى نية أخرى لزم التسلسل وكذلك يثاب الإنسان على نية مفردة ولا يثاب على الفعل مفردا لانصرافها بصورتها لله تعالى والفعل متردد بين ما هو لله تعالى وما هو لغيره وأما كون الإنسان يثاب على نيته حسنة واحدة وعلى فعله عشر حسنات إذا نوى فلأن الأفعال هي المقاصد والنيات وسائل والوسائل أنقص رتبة من المقاصد وعلم من الحكمة المذكورة أن الألفاظ إذا كانت نصوصا في شيء لا يحتاج إلى نية وكذلك الأعيان المستأجرة إذا كانت المنافع المقصودة فيها متعينة لم تحتج إلى تعيين كمن استأجر قميصا أو عمامة أو خباء أو نحو ذلك وكذلك النقود إذا كان بعضها غالبا لم يحتج إلى تعيينه كمن استأجر قميصا أو عمامة أو خباء أو نحو ذلك وكذلك النقود إذاكان بعضها غالبا لم يحتج إلى تعيينه في العقد وكذلك الحقوق إذا تعينت لربها كالدين والوديعة ونحوها ولملاحظة هذق الحكمة اختلف العلماء في النية في صوم رمضان وفي الوضوء ونحوهما فمن رأى أنهما متعينان لله تعالى بصورتهما قال لا حاجة إلى النية فيهما ومن رأى أن الإمساك في رمضان قد يكون لعدم الغذاء ونحوه وقلما يكون لله تعالى وأن الوضوء قد يكون لرفع الحدث أو للتجديد أو للتبرد أوجب النية الخامس فيما يفتقر إلى النية الشريعة كلها إما مطلوب أو مباح والمباح لا يتقرب به إلى الله تعالى فلا معنى للنية فيه والمطلوب نواه وأوامر فالنواهي يخرج الإنسان عن عهدتها وإن لم يشعر بها فضلا عن القصد إليها فزيد المجهول حرم الله علينا دمه وماله وعرضه وقد خرجنا عن العهدة وإن لم نشعر به