باب زكاة التجارة قال المصنف رحمه الله تعالى تجب الزكاة في عروض التجارة لما روى أبو ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته ولأن التجارة يطلب بها نماء المال فتعلقت بها الزكاة كالسوم في الماشية الشرح هذا الحديث رواه الدارقطني في سننه والحاكم أبو عبد الله في المستدرك والبيهقي بأسانيدهم ذكره الحاكم بأسادين ثم قال هذا الإسنادان صحيحان على شرط البخاري ومسلم وقوله وفي البز صدقته هو بفتح الباء وبالزاي هكذا رواه جميع الرواة وصرح بالزاي الدارقطني والبيهقي ونصوص الشافعي رضي الله عنه القديمة والجديدة متظاهرة على وجوب زكاة التجارة قال أصحابنا قال الشافعي رضي الله عنه في القديم اختلف الناس في زكاة التجارة فقال بعضهم لا زكاة فيها وقال بعضهم فيها الزكاة وهذا أحب إلينا هذا نصه فقال القاضي أبو الطيب وآخرون هذا ترديد قول فمنهم من قال في القديم قولان في وجوبها ومنهم من لم يثبت هذا القديم واتفق القاضي أبو الطيب وكل من حكى هذا القديم على أن الصحيح في القديم أنها تجب كما نص عليه في الجديد والمشهور للأصحاب الاتفاق على أن مذهب الشافعي رضي الله عنه وجوبها وليس في هذا المنقول عن القديم إثبات قول بعدم وجوبها وإنما أخبر عن اختلاف الناس وبين أن مذهبه الوجوب بقوله وهذا أحب إلي والصواب الجزم بالوجوب وبه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم أجمعين قال ابن المنذر أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة قال رويناه عن عمر بن الخطاب وابن عباس والفقهاء السبعة سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسلمان بن يسار والحسن البصري وطاوس وجابر بن زيد وميمون بن مهران والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي والنعمان وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد وحكى أصحابنا عن داود وغيره من أهل الظاهر أنهم قالوا لا تجب وقال ربيعة ومالك لا زكاة في عروض التجارة ما لم تنض وتصير دراهم أو دنانير فإذا نضت لزمه زكاة عام واحد واحتجوا بالحديث الصحيح ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة وهو في الصحيحين وقد سبق بيانه وبما جاء عن ابن عباس أنه قال لا زكاة في العروض واحتج أصحابنا بحديث أبي ذر المذكور وهو صحيح كما سبق وعن سمرة قال أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع رواه أبو داود في أول كتاب الزكاة وفي إسناده جماعة لا أعرف حالهم ولكن لم يضعفه أبو داود وقد قدمنا أن ما لم يضعفه فهو حسن عنده وعن حماس بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم وآخره سين مهملة وكان يبيع الأدم قال قال لي عمر بن الخطاب يا حماس أد زكاة مالك فقلت مالي مال إنما أبيع الأدم قال قومه ثم أد زكاته ففعلت رواه الشافعي وسعيد بن منصور الحافظ في مسنده والبيهقي وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة رواه البيهقي بإسناده عن أحمد بن حنبل بإسناده الصحيح وأما الصواب عن حديث ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة فهو محمول على ما ليس للتجارة ومعناه لا زكاة في عينه بخلاف الأنعام وهذا التأويل متعين للجمع بين الأحاديث وأما قول ابن عباس فهو ضعيف الإسناد ضعفه الشافعي رضي الله عنه والبيهقي وغيرهما قال البيهقي ولو صح لكان محمولا على عرض ليس للتجارة ليجمع بينه وبين الأحاديث والآثار السالفة ولما روى ابن المنذر عنه من وجوب زكاة التجارة كما سبق والله تعالى أعلم قال المصنف رحمه الله تعالى ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين أحدهما أن يملكه بعقد فيه عوض كالبيع والإجارة والنكاح والخلع والثاني أن ينوي عند العقد أنه تملكه للتجارة وأما إذا ملكه بإرث أو وصية أو هبة من غير شرط الثواب فلا تصير للتجارة بالنية وإن ملكه بالبيع والإجارة ولم ينو عند العقد أنه للتجارة لم يصر للتجارة وقال الكرابيسي من أصحابنا إذا ملك عرضا ثم نوى أنه للتجارة صار للتجارة كما إذا كان عنده متاع للتجارة ثم نوى القنية صار للقنية بالنية والمذهب الأول لأنه ما لم يكن للزكاة من أصله لم يصر للزكاة بمجرد النية كالمعلوفة إذا نوى إسامتها ويفارق إذا نوى القنية بمال التجارة لأن القنية هي الإمساك بنية القنية وقد وجد الإمساك والنية والتجارة هي التصرف بنية التجارة وقد وجدت النية ولم يوجد التصرف فلم يصر للتجارة الشرح قوله من أصله احتراز من حلى الذهب والفضة إذا قلنا لا زكاة فيه فنوى استعماله في حرام أو نوى كنزه واقتناءه فإنه يجب فيه الزكاة كما سبق لأن أصله الزكاة قال أصحابنا مال التجارة هو كل ما قصد الاتجار فيه عند تملكه بمعاوضة محضة وتفصيل هذه القيود أن مجرد نية التجارة لا يصير به المال للتجارة فلو كان له عرض قنية ملكه بشراء أو غيره فجعله للتجارة لم يصر للتجارة هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وقال الكرابيسي يصير للتجارة وهو مذهب أحمد وإسحاق بن راهويه وقد ذكر المصنف دليل الوجهين أما إذا اقترنت نية التجارة بالشراء فإن المشتري يصير للتجارة ويدخل في الحول بنفس الشرى سواء اشتراه بعرض أو نقد أو دين حال أو مؤجل وإذا صار للتجارة استمر حكمها ولا يحتاج في كل معاملة إلى نية أخرى بلا خلاف بل النية مستصحبة كافية وفي معنى الشرى ما لو صالح عن دين له في ذمة إنسان على عوض بنية التجارة فإنه يصير للتجارة بلا خلاف سواء أكان الدين قرضا أو ثمن مبيع أو ضمان متلف وهكذا الاتهاب بشرط الثواب إذا نوى به التجارة صار للتجارة صرح به البغوي وغيره وأما الهبة بلا ثواب والاحتطاب والاحتشاش والاصطياد فليست من أسباب التجارة ولا أثر لاقتران النية بها ولا يصير العرض للتجارة بلا خلاف لفوات الشرط وهو المعاوضة وهكذا الرد بالعيب والاسترداد فلو باع عرض قنية بعرض قنية ثم وجد بما أخذه عيبا فرده واسترد الأول على قصد التجارة أو وجد صاحبه بما أخذ عيبا فرده فقصد المردود عليه بأخذه للتجارة لم يصر للتجارة ولو كان عنده ثوب قنية فاشترى به عبدا للتجارة ثم رد عليه الثوب العيب انقطع حول التجارة ولا يكون الثوب للتجارة بخلاف ما لو كان الثوب للتجارة أيضا فإنه يبقى حكم التجارة فيه كما لو باع عرض التجارة واشترى بثمنه عرضا آخر وكذا لو تبايع التاجران ثم تعاملا يستمر حكم التجارة في المالين ولو كان عنده ثوب تجارة فباعه بعبد للقنية فرد عليه الثوب بالعيب لم يعد إلى حكم التجارة لأن قصد القنية حول التجارة وليس الرد والاسترداد من التجارة كما لو قصد القنية بمال التجارة الذي عنده فإنه يصير قنية بالاتفاق فلو نوى بعد ذلك وجعله للتجارة لا يؤثر حتى تقترن النية بتجارة جديدة ولو خالع وقصد بعوض الخلع التجارة في حال المخالعة أو زوج أمته أو تزوجت الحرة ونويا حال العقد التجارة في الصداق فطريقان أصحهما وبه قطع المصنف وجماهير العراقيين يكون مال تجارة وينعقد الحول من حينئذ لأنها معاوضة ثبتت فيها الشفعة كالبيع والثاني وهو مشهور في طريقة الخراسانيين وذكر بعض العراقيين فيه وجهان أصحهما هذا والثاني لا يكون للتجارة لأنهما ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة وطرد الخراسانيون الوجهين في المال المصالح به عن الدم والذي آجر به نفسه أو ماله إذا نوى بهما التجارة وفيما إذا كان يصرفه في المنافع بأن كان يستأجر المستغلات ويؤجرها للتجارة فالمذهب في الجميع مصيره للتجارة هذا كله فيما يصير به العرض للتجارة ثم إذا صار للتجارة ونوى به القنية صار القنية وانقطع حكم التجارة بلا خلاف لما ذكره المصنف رحمه الله تعالى والله تعالى أعلم قال المصنف رحمه الله تعالى إذا اشترى للتجارة ما تجب الزكاة في عينه كنصاب السائمة والكرم والنخل نظرت فإن وجد فيه نصاب إحدى الزكاتين دون الأخرى كخمس من الإبل لا تساوي مائتي درهم أو أربع من الإبل تساوي مائتي درهم وجبت فيه زكاة ما وجد نصابه لأنه وجد سببها ولم يوجد ما يعارضه فوجبت وإن وجد نصابهما ففيه طريقان قال أبو إسحاق إن سبق حول التجارة بأن يكون عنده نصاب من الأثمان مدة ثم اشترى به نصابا من السائمة وجبت زكاة التجارة فيه وإن سبق وجوب زكاة العين بأن اشترى نخلا للتجارة فبدا فيها الصلاح قبل أن يحول حول التجارة وجبت زكاة العين لأن السابق منهما قد وجد سبب وجوب زكاته وليس هناك زكاة تعارضها فوجبت كما قلنا فيما وجد فيه نصاب إحدى الزكاتين دون الأخرى وإن وجد سببهما في وقت واحد مثل أن يشتري بما تجب في الزكاة نصابا من السائمة للتجارة ففيه قولان قال في القديم تجب زكاة التجارة لأنها أنفع للمساكين لأنها تزداد بزيادة القيمة فكان إيجابها أولى وقال في الجديد تجب زكاة العين لأنها أقوى لأنها مجمع عليها وزكاة التجارة مختلف في وجوبها ولأن نصاب العين يعرف قطعا ونصاب التجارة يعرف بالظن فكانت زكاة العين أولى وقال القاضي أبو حامد في المسألة قولان سواء اتفق حولهما أو سبق حول أحدهما والأول أصح فإن كان المشترى نخيلا وقلنا بقوله القديم قوم النخيل والثمرة وهل يقوم النخيل فيه قولان أحدهما لا يقوم لأن المقصود هو الثمار وقد أخرجنا عنها العشر والثاني يقوم ويخرج الزكاة من قيمتها لأن العشر زكاة الثمار فأما لأصول فلم يخرج زكاتها فوجب أن تقوم وتخرج عنها الزكاة الشرح قال أصحابنا رحمهم الله تعالى إذا كان مال التجارة نصابا من السائمة أو الثمر أو الزرع لم يجمع فيه بين وجوب زكاتي التجارة والعين بلا خلاف وإنما يجب إحداهما وفي الواجب قولان أصحهما وهو الجديد وأحد قولي القديم تجب زكاة العين والثاني وهو أحد قولي القديم تجب زكاة التجارة ودليل العين أنها أقوى لكونها مجمعا عليها ولأنها يعرف نصابها قطعا بالعدد والكيل وأما التجارة فتعرف ظنا ودليل التجارة أنها أنفع للمساكين فإنه لا وقص فيها فإن قلنا بالعين أخرج السن الواجبة من السائمة ويضم السخال إلى الأمات كما سبق في بابه وإن قلنا بالتجارة قال البغوي وغيره يقوم في الثمار الثمرة والنخيل والأرض وفي الزرع يقوم الحب والتبن والأرض وفي السائمة تقوم مع درها ونسلها وصفوفها وما اتخذ من لبنها وهذا تفريع على أن النتاج مال تجارة وفيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى وعلى هذا القول لا تأثير لنقص النصاب في أثناء الحول تفريعا على الأصح أن نصاب العرض إنما يعتبر في الحول ولو اشترى نصابا من السائمة للتجارة ثم اشترى بها عرضا بعد ستة أشهر مثلا فعلى قول اعتبار زكاة التجارة لا ينقطع الحول وعلى قول العين ينقطع ويبتدىء حول زكاة التجارة من حين ملك العرض وهذان القولان فيما إذا ملك نصاب الزكاتين واتفق الحولان أما إذا لم يكمل إلا نصاب أحدهما بأن كان المال أربعين شاة وتبلغ قيمتها نصابا من الدراهم والدنانير عند تمام الحول أو كان دون أربعين شاة وتبلغ قيمتها نصابا فالصحيح وجوب زكاة ما بلغت به نصابا وبهذا قطع المصنف والأصحاب في معظم الطرق وقيل في وجوبها وجهان حكاه الرافعي وهو غلط وإذا قلنا بزكاة العين فنقصت الماشية في أثناء السنة عن نصابها ونقلناها إلى زكاة التجارة فهل يبني حولها على حول العين أم يستأنف حول التجارة فيه وجهان كالوجهين فيمن ملك نصاب سائمة لا للتجارة فاشترى به عرض تجارة هل يبني حول التجارة على حول السائمة أصحهما يستأنف في الموضعين وإذا أوجنبا زكاة التجارة لنقصان الماشية المشتراة للتجارة عن النصاب ثم بلغت نصابا في أثناء الحول بالنتاج ولم تبلغ القيمة نصابا في آخر الحول فوجهان أصحهما لا زكاة لأن الحول انعقد لتجارة فلا يتعين والثاني ينتقل إلى زكاة العين لا مكانها فعلى هذا هل يعتبر الحول من وقت نقص القيمة عن النصاب أو من وقت تمام النصاب بالنتاج فيه وجهان حكاهما البغوي وغيره وأما إذا كمل نصاب الزكاتين واختلف الحولان بأن اشترى بمتاع التجارة بعد ستة أشهر نصاب سائمة أو اشترى به معلوفة للتجارة ثم أسامها بعد ستة أشهر ففيه طريقان حكاهما المصنف والأصحاب أصحهما وبه قال القاضي أبو حامد وصححه البغوي والرافعي وآخرون وهو نص الشافعي رضي الله عنه أنه على القولين كما لو اتفق حولهما ولأن الشافعي رضي الله عنه لم يفرق ولأنه فرض المسألة ويبعد اتفاق آخر جزء من حول التجارة مع أول بدو الصلاح والطريق الثاني وبه قال أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة وأبو حفص ابن الوكيل حكاه عنهما الماودري وصححه المصنف وشيخه القاضي أبو الطيب وقطع به الجرجاني في التحرير أن القولين مخصوصان بما إذا اتفق الحولان بأن اشترى بعرض للقنية نصاب سائمة للتجارة فعلى هذا يقدم أسبقهما حولا ففي المثال المذكور يجب زكاة التجارة لسبق حولها وحجة هذا الطريق أنه أرفق بالمساكين فإن قلنا بطرد القولين فسبق حول التجارة فإن غلبنا زكاة التجارة أخذت زكاتها وإن غلبنا العين فوجهان حكاهما الرافعي أحدهما تجب عند تمام حولها ويبطل ما سبق من حول التجارة وأصحهما تجب زكاة التجارة عند تمام حولها هذا لئلا يبطل بعض حولها ويفوت على المساكين فعلى هذا يستفتح حول زكاة العين بعد انقضاء حول التجارة وتجب زكاة العين في جميع الأحوال المستقبلة أما إذا اشترى نخيلا لما تجارة فأثمرت أو أرضا مزروعة فأدرك الزرع وبلغ الحاصل نصابا فهل الواجب زكاة التجارة أو العين فيه القولان الأصح العين فإن لم يكمل أحد النصابين أو كملا واختلف الحولان ففيه التفصيل السابق هذا إذا كانت الثمرة حاصلة عند الشرى وبدا الصلاح في ملكه أما إذا اطلعت بعد الشرى فهذه ثمرة حدثت من شجر التجارة وفي ضمها إلى مال التجارة خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى والأصح ضمها قال إمام الحرمين فعلى هذا هي كالحاصلة عند الشرى وتنزل منزلة زيادة متصلة أو أرباح متحددة في قيمة العرض ولا تنزل منزلة ربح ينض ليكون فيها الخلاف المعروف في ضم الربح الناض وإن قلنا ليست مال تجارة وجبت زكاة العين فيها وتختص زكاة التجارة بالأرض والأشخاص قال أصحابنا فإن غلبنا زكاة العين أخرج العشر أو نصفه من الثمار والزروع وهل يسقط به زكاة التجارة عن قيم جذع النخلة وتبن الزرع فيه وجهان مشهوران حكاهما الشيخ أبو حامد والمحاملي والماوردي والقاضي أبو الطيب وإمام الحرمين والسرخسي والبغوي والجمهور وقال المصنف وصاحب الشامل هما قولان أصحهما لا يسقط لأن المخرج زكاة الثمرة وبقى الجذع والتبن بلا زكاة ولا يمكن فيها زكاة العين فوجبت زكاة التجارة كما لو كان للتجارة منفردا والثاني تسقط لأن المقصود هو الثمرة والحب وقد أخرج زكاتهما وفي أرض النخيل والزرع طريقان أصحهما وبه قطع الجمهور أنه على الوجهين في الجذع والثاني حكاه البغوي والسرخسي وآخرون من الخراسانيين تجب الزكاة فيها وجها واحدا لأن الأرض ليست أصلا للثمرة والحب بخلاف الجذع قال إمام الحرمين ينبغي أن يعتبر ذلك بما يدخل في الأرض المتخللة بين النخيل في المساقاة وما لا يدخل فما لا يدخل تجب فيه الزكاة بلا خلاف وما يدخل فهو على الطريق وهذا الذي قاله الإمام احتمالا لنفسه وقد صرح بنقله صاحب الحاوي فقال إذا كان في الأرض بياض غير مشغول بزرع ولا نخل وجبت زكاته وجها واحدا فإذا أوجنبا زكاة التجارة في الأرض والجذع والتبن ونحوها فلم تبلغ قيمتها نصابا فهل تضم قيمة الثمرة والحب إليها لإكمال النصاب فيه وجهان حكاهما البغوي وآخرون أحدهما لا لأنه أدى زكاتهما والثاني تضم لتكميل النصاب في هذه الأشياء لا لايجاب زكاة أخرى في الثمرة والحب والأول أصح قال الرافعي نقلا عن الأصحاب وإذا قلنا بزكاة العين فزكاها لا يسقط اعتبار زكاة التجارة عن الثمرة والحب في المستقبل بل تجب فيها زكاة التجارة في الأحوال المستقبلة ويكون ابتداء حول التجارة من وقت إخراج العشر لا من وقت بدو الصلاح لأنه يلزمه بعد بدو الصلاح تربية الثمار للمساكين فلا يجوز أن يحسب عليه زمن التربية فأما إذا غلبنا زكاة التجارة فتقوم الثمرة والجذع ويقوم في الزرع والحب والتبن ونقوم الأرض فيهما جميعا وسواء اشتراها مزروعة للتجارة أم اشترى بذرا وأرضا للتجارة وزرعه فيها في جميع ما ذكرنا ولا خلاف في هذا كله ولو اشترى الثمار وحدها للتجارة قبل بدو الصلاح ثم بدا في ملكه جرى القولان في أنه يجب العشر أم زكاة التجارة قال البغوي والأصحاب ولو اشترى أرضا للتجارة فزرعها يبذر للقنية وجب العشر في الزرع وزكاة التجارة في الأرض بلا خلاف فيهما فرع لو اتهب نصابا من السائمة بنية التجارة لزمه زكاة العين إذا تم حولها بلا خلاف لأن حول التجارة لا ينعقد بالاتهاب واحتج البغوي بهذه المسألة السابقة أنه إذا اشترى نخيلا أو أرضا مزروعة أو سائمة للتجارة فوجب نصاب إحداهما دون الأخرى وجبت زكاتها لإمكانها دون الأخرى فرع قال أصحابنا إذا اشترت المرأة حليا يباح لها لبسه للتجارة وجبت فيه الزكاة وإن كانت تلبسه كما لو استعمل الرجل دواب التجارة ثم إن قلنا الحلى المباح لا زكاة فيه وجبت هنا زكاة التجارة بلا خلاف إذا بلغ نصابا وإن قلنا فيه زكاة فهل تجب هنا زكاة التجارة أم العين فيه القولان قال صاحب الحاوي تظهر فائدتهما في الصيغة إن قلنا بالتجارة اعتبرت الصيغة وإلا فلا قال المصنف رحمه الله تعالى وإن اشترى عبدا للتجارة وجبت عليه فطرته لوقتها وزكاة التجارة لحولها لأنهما حقان يجبان بسببين مختلفين فلم يمنع أحدهما الآخر كالجزاء والقيمة وحد الزنا والشرب الشرح هذا الذي قاله متفق عليه عندنا وبه قال مالك وقال أبو حنيفة لا تجب فيه زكاة الفطر واستدل أصحابنا بما ذكره المصنف رحمه الله تعالى مع عموم النصوص الثابتة في زكاة فطر العبيد قول المصنف كجزاء الصيد والقيمة معناه أن المحرم إذا قتل صيدا مملوكا عليه قيمته لمالكه والجزاء للمساكين ولأنه يكتفي بأحدهما قال المصنف رحمه الله تعالى وإن اشترى للتجارة عرضا لا تجب فيه الزكاة لم يخل إما أن يشتري بعرض أو نقد فإن اشتراه بنقد نظرت فإن كان نصابا جعل ابتداء الحول من حين ملك النصاب من النقد ويبني حول العرض الذي اشتراه عليه لأن النصاب هو الثمن وكان ظاهرا فصار في ثمن السلعة كامنا فبنى حوله عليه كما لو كان عينا فأقرضه فصار دينا وإن اشتراه بدون النصاب انعقد الحول عليه من حين الشراء سواء كانت قيمة العرض نصابا أو أقل وقال أبو العباس لا ينعقد الحول إلا أن يكون قيمته من أول الحول إلى آخره نصابا كسائر الزكوات والمنصوص في الأم هو الأول لإن نصاب زكاة التجارة يتعلق بالقيمة وتقويم العرض في كل ساعة يشق فلم يعتبر إلا في حال الوجوب ويخالف سائر الزكوات فإن نصابها في عينها فلم يشق اعتباره في جميع الحول وإن اشتراه بعرض للقنية نظرت فإن كان من غير أموال الزكاة انعقد الحول عليه من يوم الشراء وإن اشتراه بنصاب من السائمة ففيه وجهان قال أبو سعيد الاصطخري يبني حول التجارة على حول السائمة لأن الشافعي رحمه الله قال في المختصر ولو اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو دنانير أو بشيء تجب فيه الصدقة لم يقوم عليه حتى يحول عليه الحول من يوم ملك ثمن العرض والدليل عليه أنه ملكه بما يجزي في الحول فبنى حوله على حوله كما لو اشتراه بنصاب من الأثمان وقال أكثر أصحابنا لا يبني على حول السائمة وتأولوا قوله في المختصر والدليل عليه أن الزكاة تتعلق بقيمة العرض والماشية ليست بقيمة فلم بين حوله على حولها ويخالف الأثمان لأنها قيمة وإنما كانت عينا ظاهرة فخفيت كالعين إذا صارت دينا الشرح النصاب والحول معتبران في زكاة التجارة بلا خلاف لكن في وقت اعتباره النصاب ثلاثة أوجه وسماها إمام الحرمين والغزالي أقوالا والصحيح المشهور أنه أوجه لكن الصحيح منها منصوص والآخران مخرجان أحدهما وهو الصحيح عند جميع الأصحاب وهو نصه في الأم أنه يعتبر في آخر الحول فقط لأنه يتعلق بالقيمة وتقويم العرض في كل وقت يشق فاعتبر حال الوجوب وهو آخر الحول بخلاف سائر الزكوات لأن نصابها من عينها فلا يشق اعتباره والثاني وبه قال أبو العباس بن سريج في جميع الحول من أوله إلى آخره ومتى نقص النصاب في لحظة منه انقطع الحول قياسا على زكاة الماشية والنقد والثالث يعتبر النصاب في أول الحول وآخره دون ما بينهما فإذا كان نصابا في الطرفين وجبت الزكاة ولا يضر نقصه بينهما وهذا الوجه حكاه الشيخ أبو حامد والمحاملي والماوردي والشاشي عن ابن سريج ووافق المصنف على حكاية الثاني عن ابن سريج أيضا ابن الصباغ وسبقهما به القاضي أبو الطيب وغيره فإذا قلنا بالصحيح فاشترى عرضا للتجارة بشيء يسير جدا انعقد الحول فإذا بلغ نصابا في آخر الحول وجبت الزكاة ولو كان عرض التجارة دون النصاب فباعه بسلعة أخرى دون نصاب في أثناء الحول فالمذهب أن لا ينقطع الحول وحكى إمام الحرمين فيه خلافا سنذكره في أول الآتي إن شاء الله تعالى وأما إبتداء الحول فإن ملك عرض التجارة بنصاب من النقد بأن اشتراه بعشرين دينارا أو بمائتي درهم فإبتداء الحول من حين ملك ذلك النقد ويبني حول التجارة عليه واحتج له المصنف بأن النصاب هو الثمن وكان ظاهرا فصار في ثمن ودفعه في ثمنه انقطع حول النقد وابتدأ حول التجارة من حين الشرى بلا خلاف وإن كان النقد الذي اشترى بعينه دون نصاب فإن قلنا بالمذهب إن النصاب إنما يعتبر في آخر الحول انعقد من حين الشرى وإن قلنا يعتبر في الطرفين أو في الجميع لم ينعقد ولا خلاف أنه لا ينعقد قبل الشرى لأن الثمن لم يكن مال التجارة لنقصه عن النصاب وإن اشترى بغير نقد فللثمن حالان أحدهما أن يكون مما لا زكاة في عينه كالثياب والعبيد فاتبداء الحول من حين ملك عرض التجارة إن كانت قيمة العرض نصابا أو كانت دونه وقلنا بالصحيح إن النصاب إنما يعتبر في آخر الحول