أن الترك متأكد في حق المسلم أكثر لأنه أشرف وأعظم حرمة .
اه .
( وقوله ذكرك ) المراد بالذكر التعرض بالإيذاء بدليل الغاية بعده .
( وقوله ولو بنحو إشارة ) دخل تحت نحو الغمز والكتابة والتعرض كأن يذكر عنده غيره فيقول الحمد لله الذي ما ابتلانا بقلة الحياء أو بالدخول على السلاطين وليس قصده بدعائه إلا أن يفهم عيب ذلك الغير ومثله كل ما يتوصل به إلى فهم المقصود كأن يمشي مشيته بل قال الغزالي إن هذا أعظم لأنه أبلغ من التصريح والتفهيم وأنكى للقلب .
( قوله غيرك ) مفعول ذكر المضاف لفاعله والمراد به لغير ما يعم المسلم والذمي .
وسئل الغزالي رحمه الله تعالى عن غيبة الكافر .
فقال هي في حق المسلم محذورة لثلاثة علل الإيذاء وتنقيص ما خلقه الله تعالى وتضييع الوقت بما لا يعني .
والأولى تقتضي التحريم والثانية الكراهة والثالثة خلاف الأولى .
وأما الذمي فكالمسلم فيما يرجع إلى المنع من الإيذاء لأن الشرع عصم دمه وعرضه وماله وأما الحربي فليس بمحرم على الأولى ويكره على الثانية والثالثة .
وأما المبتدع فإن كفر فكالحربي وإلا فكالمسلم .
( وقوله المحصور المعين ) لو اقتصر على القيد الثاني لكان أولى لأنه يفيد مفاد الأول وزيادة .
وخرج بذلك غير المعين كأن يذم البخلاء أو المتكبرين أو المرائين ويتعرض لهم بالتنقيص من غير تعيين أحد منهم فهذا لا يعد غيبة .
( قوله بما يكره ) متعلق بذكرك أي أن تذكره بشيء يكرهه سواء كان في بدنه كقصير وأسود وغير ذلك أو في نسبه كأبوه إسكافي أو في خلقه كسيء الخلق عاجز ضعيف أو في فعله الديني ككذاب أو متهاون بالصلاة أو لا يحسنها أو الدنيوي كقليل الأدب أو لا يرى لأحد حقا على نفسه أو كثير الأكل أو النوم أو في ثوبه كطويل الذيل وقصيره ووسخه أو في داره كضيقة أو قليلة المنافع أو دابته كجموح أو ولده كقليل التربية أو زوجته ككثيرة الخروج أو عجوز أو تحكم عليه أو قليلة النظافة أو في خادمه كآبق أو غير ذلك من كل ما يعلم أنه يكرهه .
واعلم أن أصل الغيبة الحرمة وقد تباح لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها .
وينحصر في ستة أسباب وقد تقدم الكلام عليها لكن يحسن ذكرها هاهنا أيضا وهي التظلم فلمن ظلم بالبناء للمجهول أن يشكو لمن يظن أن له قدرة على إزالة ظلم أو تخفيفه والإستعانة على تغيير منكر يذكره لمن يظن قدرته على إزالته بنحو فلان يعمل كذا فازجره أو أعني عليزجره ومنعه منه والإستفتاء بأن يقول لمفت ظلمني فلان فهل يجوز له ما طريقي في الخلاص منه أو تحصيل حقي منه أو نحو ذلك .
وتحذير المسلمين من الشر ونصحهم كجرح الرواة والشهود والتجاهر بالفسق فيجوز ذكر المتجاهر بما تجاهر به دون غيره والتعريف بنحو لقب كالأعمش والأصم .
وتنبيه البواعث على الغيبة كثيرة وهي عامة وخاصة فالعامة كتشفي الغيظ بذكر مساوي من أغضبه وكموافقة الإخوان ومجاملتهم بالإسترسال معهم بما هم فيه أو إبداء نظير ما أبدوه خشية أنه لو سكت أو أنكر إستثقلوه ونفروا عنه ويظن لجهله أن هذا من المجاملة في الصحبة بل وقد يغضب لغضبهم إظهارا للجاهلية في السراء والضراء فيخوض معهم في ذكر المساوي والعيوب فيهلك .
والخاصة كالتعجب من فعل غيره منكرا كأن يقول ما أعجب ما رأيت من فلان أو عجيب من فلان كيف يحب أمته وهي قبيحة أو كيف يقرأ على فلان الجاهل وهكذا .
يتعين عليك معرفة علاج الغيبة وهو بأن تعلم أنك قد تعرضت بها لسخط الله تعالى وعقوبته وأنها تحبط حسناتك وبأن تنظر في باعثها فتقطعه من أصله إذ علاج العلة إنما يكون بقطع سببها .
ومما ينفعك في ذلك أن تتدبر في عيوبك وتجتهد في الطهارة منها لتدخل في قوله عليه السلام طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس .
وما أحسن قول بعضهم لعمرك إن في ذنبي لشغلا لنفسي عن ذنوب بني أمية على ربي حسابهم إليه تناهى علم ذلك لا إليه وليس بضائري ما قد أتوه إذا ما الله أصلح ما لديه وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبعض إخوانه أوصيك بستة أشياء إن أردت أن تقع في أحد وتذمه