فصب ماؤها في بئر فعند أبي يوسف رحمه الله تعالى ينزح منها ما صب فيها وبعده عشرون دلوا وعند محمد رحمه الله تعالى ينظر إلى ماء الجب فإن كان عشرين دلوا أو أكثر ينزح ذلك القدر وإن كان دون عشرين دلوا ينزح منها عشرون ) دلوا لأن الحاصل في البئر نجاسة الفأرة .
قال ( وإن ماتت فأرة في سمن فإن كان جامدا يرمى بها وما حولها ويؤكل ما بقي وإن كان ذائبا لم يؤكل منه شيء ) لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن النبي سئل عن فأرة ماتت في سمن فقال إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوا ما بقي وإن كان ذائبا فأريقوه ولأن في الجامد النجاسة إنما جاورت موضعا واحدا فإذا قور ذلك كان الباقي طاهرا وفي الذائب النجاسة جاورت الكل فصار الكل نجسا .
وحد الجمود والذوب إذا كان بحال لو قور ذلك الموضع لا يستوي من ساعته فهو جامد وإن كان يستوي من ساعته فهو ذائب .
ثم الذائب لا بأس بالانتفاع به سوى الأكل من حيث الاستصباح ودبغ الجلد به وكذلك يجوز بيعه مع بيان عيبه عندنا فإذا باعه ولم يبين عيبه فالمشترى بالخيار إذا علم به .
وعند الشافعي رضي الله عنه لا يجوز شيء من ذلك لأنه بصفة النجاسة صار كالخمر فإن عينه نجس فلا يجوز بيعه ولا الانتفاع به ألا ترى أن النبي في الجامد أمر بالقاء ما حول الفأرة وفي الذائب أمر بإراقة الكل فدل أنه لا يجوز الانتفاع به .
وعلماؤنا احتجوا بحديث علي رضي الله تعالى عنه في النجاسة إذا وقعت في الدهن قال يستصبح به ويدبغ به الجلود وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي قال فإن كان مائعا فانتفعوا به ولأن نجاسته لا لعينه بل لمجاورة النجاسة إياه فكان بمنزلة الثوب النجس بخلاف الخمر فإن عينها نجس .
وتأويل حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن مراده بيان حرمة الأكل فمعظم وجوه الانتفاع بالسمن هو الأكل وإذا دبغ به الجلد ثم غسل بالماء طهر به الجلد وما تشرب فيه عفو لأن عين الدهن يزول بالغسل إنما بقي لينه وذلك غير معتبر .
قال ( وإن ماتت فأرة في جب فيه خل فأدخل رجل يده فيه ثم أدخلها قبل أن يغسلها في عشر خوابي خل أو ماء فقد أفسدهن كلهن ) فإن كان في الخوابي ماء فهذا الجواب قول أبي يوسف رحمه الله تعالى فأما على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تخرج يده من الخابية الثالثة طاهرة بناء على غسل العضو المتنجس في الإجانات كما بينا إلا أن يكون مراده أدخلها في الخابية الأولى إلى الإبط حتى تتنجس