النجاشي منه وكان هو وليها بالسلطنة وروي أنه زوجها منه قبل أن يكتب به رسول الله فأجاز رسول الله كتابه وكلاهما حجة لنا على أن النكاح تلحقه الإجازة وأن الخطبة بالكتاب تصح وهذا لأن الكتاب ممن نأى كالخطاب ممن دنى فإن الكتاب له حروف ومفهوم يؤدي عن معنى معلوم فهو بمنزلة الخطاب من الحاضر وكان الحسن بن حي رحمه الله تعالى يقول لا ينعقد النكاح بالكتاب لعظم خطر أمر النكاح وهذا فاسد فإن رسول الله كان مأمورا بتبليغ الرسالة بقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ وقد بلغ تارة بالكتاب وتارة باللسان فإنه كتب إلى ملوك الأفاق يدعوهم إلى الدين وكان ذلك تبليغا تاما فكذلك في عقد النكاح الكتاب بمنزلة الخطاب إلا أنه إذا كتب إليها فبلغها الكتاب فقالت زوجت نفسي منه بغير محضر من الشهود لا ينعقد النكاح كما في حق الحاضر فإن النبي قال لا نكاح إلا بشهود ولو قالت بين يدي الشهود زوجت نفسي منه لا ينعقد النكاح أيضا لأن سماع الشهود كلام المتعاقدين شرط لجواز النكاح وإنما سمعوا كلامها هنا لا كلامه لو كانت حين بلغها الكتاب قرأته على الشهود وقالت أن فلانا كتب إلي يخطبني فاشهدوا أني قد زوجت نفسي منه فهذا صحيح لأنهم سمعوا كلام الخاطب باسماعها إياهم إما بقراءة الكتاب أو العبارة عنه وسمعوا كلامها حيث أوجبت العقد بين أيديهم فلهذا تم النكاح وهذا بخلاف البيع فإن المكتوب إليه إذا قال هناك بعت هذه العين من فلان بكذا جاز وإن لم يكن بحضرة الشهود أو كان بحضرتهم ولم يقرأ الكتاب عليهم لأن البيع يصح بغير شهود كما في الحاضر إلا أنه ذكر في الكتاب في البيع أنه إذا كتب إليه أن بعني كذا بكذا فقال بعت يتم البيع وقد طعنوا في هذا فقالوا أن البيع لا ينعقد بهذا اللفظ من الحاضر فإن من قال لغيره بع عبدك منى بكذا فقال بعت لا ينعقد ما لم يقل الثاني اشتريت لأنه لا بد في البيع من لفظين هما عبارة عن الماضي بخلاف النكاح فإن النكاح ينعقد بلفظين أحدهما عبارة عن الماضي والآخر عن المستقبل والشافعي ومحمد رحمهما الله تعالى سويا بينهما والفرق لعلمائنا رحمهم الله تعالى أن البيع يقع بغتة وفلتة فقوله بعني يكون استياما عادة فلا بد من الإيجاب والقبول بعده فأما النكاح يتقدمه خطبة ومراودة فقلما يقع بغتة فقوله زوجني يكون أحد شطري العقد توضيح الفرق أن قوله زوجيني نفسك تفويض للعقد إليها وكلام الواحد في باب النكاح يصلح لا تمام العقد إذا كان الأمر مفوضا