كل وقت فكانت الحاجة ماسة إلى إثبات الولاية للولي في صغرها ولأنه لو انتظر بلوغها لفات ذلك الكفء ولا يوجد مثله ولما كان هذا العقد يعقد للعمر تتحقق الحاجة إلى ما هو من مقاصد هذا العقد فتجعل تلك الحاجة كالمتحققة للحال لإثبات الولاية للولي ثم في الحديث بيان أن الأب إذا زوج ابنته لا يثبت لها الخيار إذا بلغت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخيرها ولو كان الخيار ثابتا لها لخيرها كما خير عند نزول آية التخيير حتى قال لعائشة إني أعرض عليك أمرا فلا تحدثي فيه شيئا حتى تستشيري أبويك ثم تلا عليها قوله تعالى ! < فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا > ! 28 فقالت أفي هذا أستشير أبوي أنا أختار الله تعالى ورسوله ولما لم يخيرها هنا دل أنه لا خيار للصغيرة إذا بلغت وقد زوجها أبوها وذكر ذلك في الكتاب عن إبراهيم وشريح رحمهما الله تعالى وبن سماعة رحمه الله تعالى ذكر فيه قياسا واستحسانا قال في القياس يثبت لها الخيار لأنه عقد عليها عقدا يلزمها تسليم النفس بحكم ذلك العقد بعد زوال ولاية الأب فيثبت لها الخيار كما لو زوجها أخوها ولكنا نقول تركنا القياس للحديث ولأن الأب وافر الشفقة ينظر لها فوق ما ينظر لنفسه ومع وفور الشفقة هو تام الولاية فإن ولايته تعم المال والنفس جميعا فلهذا لا يثبت لها الخيار في عقده وليس النكاح كالإجارة لأن إجارة النفس ليست من المصالح وضعا بل هو كد وتعب وإنما تثبت الولاية فيه على الصغير لحاجته إلى التأدب وتعلم الأعمال وذلك يزول بالبلوغ فلهذا أثبتنا لها الخيار قال وفي الحديث دليل فضيلة عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها كانت عند رسول الله تسع سنين في بدء أمرها وقد أحرزت من الفضائل ما قال صلوات الله عليه تأخذون ثلثي دينكم من عائشة وفيه دليل أن الصغيرة يجوز أن تزف إلى زوجها إذا كانت صالحة للرجال فإنها زفت إليه وهي بنت تسع سنين فكانت صغيرة في الظاهر وجاء في الحديث أنهم سمنوها فلما سمنت زفت إلى رسول الله .
( قال ) ( وبلغنا عن إبراهيم أنه كان يقول إذا أنكح الوالد الصغير أو الصغيرة فذلك جائز عليهما وكذلك سائر الأولياء ) وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله تعالى فقالوا يجوز لغير الأب والجد من الأولياء تزويج الصغير والصغيرة .
وعلى قول مالك رحمه الله تعالى ليس لأحد سوى الأب تزويج الصغير والصغيرة .
وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى ليس لغير الأب والجد تزويج الصغير والصغيرة .
فمالك يقول القياس أن لا يجوز تزويجهما إلا أنا تركنا ذلك في حق الأب للآثار المروية فيه فبقي ما سواه على