المحرمية لا تثبت حتى لا تباح الخلوة والمسافرة بها ولكن هذا التعليل فاسد فإن التعليل لتعدية حكم النص لا لإثبات حكم آخر سوى المنصوص فإن ابتداء الحكم لا يجوز إثباته بالتعليل والمنصوص حرمة ثابتة بطريق الكرامة فإنما يجوز التعليل لتعدية تلك الحرمة إلى الفروع لا لإثبات حكم آخر سوى المنصوص ولكن الصحيح أن نقول هذا الفعل زنا موجب للحد كما قال ولكنه مع ذلك حرث للولد ويصلح أن يكون سببا لثبوت الحرمة والكرامة باعتبار أنه حرث للولد ألا ترى أنه في جانبها الفعل زنا ترجم عليه وإذا حبلت به كان لذلك الولد من الحرمة ما لغيره من بني آدم فيثبت نسبه منها وتحرم هي عليه وثبوت هذا كله بطريق الكرامة لأنه حرث لا لإنه زنا فكذا هنا فبهذا التقرير يتبين فساد استدلالهم بالحديث فإنا لا نجعل الحرام محرما للحلال وإنما نثبت الحرمة باعتبار أن الفعل حرث للولد وحرمة هذا الفعل بكونه زنا على أن هذا الحديث غير مجرى على ظاهره فإن كثيرا من الحرام يحرم الحلال كما إذا وقعت قطرة من خمر في ماء وكالوطء بالشبهة ووطء الأمة المشتركة ووطء الأب جارية الابن فإن هذا كله حرام حرم الحلال لا لأنه حرام بل للمعنى الذي قلنا فكذلك هنا .
ومن فروع هذه المسألة بنت الرجل من الزنى بأن زني ببكر وأمسكها حتى ولدت بنتا حرم عليه تزوجها عندنا .
وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يكون حراما وله في البنت الملاعنة التي لم يدخل بالأم قولان واستدل فقال نص التحريم قوله تعالى ! < وبناتكم > ! وذلك يتناول البنت المضافة إليه نسبا والبنت من الزنى غير مضافة إليه نسبا بل هي حرام الإضافة إليه نسبا ولو أثبتنا الحرمة فيها كان إثبات الحرمة بالزنى وبه فارق جانبها فإن الابن من الزنى يضاف إلى الأم نسبا فكانت هي حراما عليه لقوله تعالى ! < حرمت عليكم أمهاتكم > ! وتبين بهذا التفريق أن هذه الحرمة الثابتة شرعا تنبني على ثبوت النسب شرعا والنسبة إلى الزاني غير ثابتة من كل وجه فكذا هنا وهكذا يقول على أحد القولين في بنت الملاعنة وعلى القول الآخر يفرق بينهما فيقول النسب هناك كان ثابتا باعتبار الفراش لكن انقطع باللعان وبقي موقوفا على حقه حتى لو أكذب نفسه يثبت النسب منه ولا يثبت من غيره وإن أعاده فيجوز إبقاء الحرمة وهنا النسب لم يكن ثابتا أصلا