فيه النص يتمسك بالأصل وهو لزوم الإحرام إلى أن يؤدي الأفعال إلا أن يشترط ذلك عند الإحرام فحينئذ يصير التحلل له حقا بالشرط لما روي أن ضباعة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها كانت شاكية فقال لها أهلي بالحج واشترطي أن تحلي حيث حبست فلو كان لها أن تتحلل من غير شرط لما أمرها رسول الله بالشرط والمعنى فيه أن ما ابتلى به لا يزول بالتحلل فلا يكون له أن يتحلل كالذي ضل الطريق أو أخطأ العدد أو سرقت نفقته بخلاف المحصر بالعدو فإن ما ابتلي به هناك يزول بالتحلل لأنه يرجع إلى أهله فيندفع شر العدو عنه .
وحجتنا في ذلك قوله تعالى ! < فإن أحصرتم > ! فإن أهل اللغة يقولون إن الإحصار لا يكون إلا في المرض ففي العدو يقال حصر فهو محصر وفي المرض يقال أحصر فهو محصر وقال الفراء رحمه الله تعالى يقال في العدو والمرض جميعا أحصر وحصر في العدو خاصة فقد اتفقوا على أن لفظة الإحصار تتناول المرض وقوله ! < فإذا أمنتم > ! لا يمنع من حمله على المرض ومعناه إذا برئتم قال الزكام أمان من الجذام والدمامل أمان من الطاعون فعرفنا أن لفظة الأمن تطلق في المرض .
وفي الحديث عن الحجاج بن عمر رحمه الله تعالى أن النبي قال من كسر أو عرج فعليه الحج من قابل فذكر ذلك لابن عباس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقالا صدق وعن الأسود بن يزيد قال خرجنا من البصرة عمارا أي معتمرين فلدغ صاحب لنا فأعرضنا الطريق لنسأل من نجده فإذا نحن بركب فيهم بن مسعود رضي الله تعالى عنه فسألناه عن ذلك فقال ليبعث صاحبكم بدم ويواعد المبعوث على يديه أي يوم شاء فإذا ذبح عنه حل والمعنى فيه أن المعنى الذي لأجله ثبت حق التحلل للمحصر بالعدو موجود هنا وهو زيادة مدة الإحرام عليه لأنه إنما التزم إلى أن يؤدي أعمال الحج وبتعذر الأداء تزداد مدة الإحرام عليه ويلحقه في ذلك ضرب مشقة فأثبت له الشرع حق التحلل وهذا المعنى موجود هنا فقد يزداد عليه مدة الإحرام بسبب المرض والمشقة عليه في المكث محرما مع المرض أكثر فيثبت له حق التحلل بطريق الأولى .
والدليل على أن المعنى هذا لا ما قال إن العدو إذا أحاطوا به من الجوانب الأربعة أو حبسوه في موضع لا يزول ما به بالتحلل بأن إن كان لا يمكنه الرجوع إلى أهله مع ذلك يثبت له حق التحلل عرفنا أن المعنى ما قلنا فأما الذي ضل الطريق عندنا فليس محصرا لأنه إن وجد من يبعث بالهدي على يده فذلك الرجل يهديه إلى الطريق فلا حاجة به إلى