فتعتبر قيمة الواجب وهو النظير كمن أتلف شيئا من ذوات الأمثال فانقطع المثل من أيدي الناس فإنه يجب قيمة المثل وعندنا الواجب قيمة الصيد والأصل كما بينا فإذا اختار أداء الواجب بالطعام تعتبر قيمة الصيد لأنه هو الواجب الأصلي وإن اختار الصيام صام مكان كل نصف صاع يوما عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يصوم مكان كل مد يوما وهذا بناء على الاختلاف في طعام الكفارة لكل مسكين عندنا يتقدر بنصف صاع وعنده بمد ومذهبه في هذا مروي عن بن عباس رضي الله عنه ( قال ) ( فإن أخرج الحلال صيد الحرم ولم يقتله فعليه جزاء استحسانا ) وإن أرسله في الحل ما لم يعلم عوده إلى الحرم لأنه بالحرم كان آمنا وقد زال هذا الأمن بإخراجه فيكون كالمتلف له إلا أن يعلم عوده إلى الحرم فحينئذ يعود إليه الأمن على ما كان وهو كالمحرم يأخذ صيدا فيموت في يده لزمه جزاؤه لأنه متلف معنى الصيدية فإن معنى الصيدية في نفره وبعده عن الأيدي ( قال ) ( وإذا رمى الحلال صيدا من الحل في الحرم أو من الحرم في الحل فعليه جزاؤه ) هكذا روي عن جابر وبن عمر رضي الله عنهما وهذا لأنه إذا كان الصيد في الحرم فهو آمن بالحرم وإن كان الرامي في الحرم فهو منهي عن الرمي إلى الصيد من الحرم قال الله تعالى ! < لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم > ! يقال أحرم إذا عقد عقد الإحرام وأحرم إذا دخل الحرم كما يقال أشأم إذا دخل الشام فكان في الوجهين مرتكبا للنهي فيلزمه الجزاء إلا أن يكون الصيد والرامي في الحل فرماه ثم دخل الصيد الحرم فيصيبه فيه فحينئذ لا يلزمه الجزاء لأنه في الرمي غير مرتكب للنهي ولكن لا يحل تناول ذلك الصيد وهذه هي المسألة المستثناة من أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإن عنده المعتبر حالة الرمي إلا في هذه المسألة خاصة فإنه اعتبر في حل التناول حالة الإصابة احتياطا لأن الحل بالذكاة يحصل وإنما يكون ذلك عند الإصابة فإن كان عند الإصابة الصيد صيد الحرم لم يحل تناوله وعلى هذا إرسال الكلب ( قال ) ( ولا يحل تناول ما ذبحه المحرم لأحد من الناس ) وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يحل للمحرم القاتل تناوله ويحل لغيره من الناس وحجته في ذلك أن معنى الذكاة في تسييل الدم النجس من الحيوان وشرط الحل التسمية ندبا أو واجبا على اختلاف الأصلين وذلك يتحقق من المحرم كما يتحقق من الحلال إلا أن الشرع حرم التناول على المحرم القاتل بطريق العقوبة ليكون زجرا له وهذا لا يدل على حرمة التناول في حق غيره كما يجعل المقتول ظلما حيا في حق القاتل حتى لا يرثه وهو ميت في حق غيره وحجتنا في ذلك قوله تعالى ! < لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم > ! والفعل الموجب