في كل باب وقد قال الله تعالى ! < أنفقوا من طيبات ما كسبتم > ! وقال تعالى ! < وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم > ! أي بجنايتكم على أنفسكم وقد سمى جناية المرء على نفسه كسبا وقال جل وعلا في آية السرقة ! < جزاء بما كسبا > ! أي باشرا بارتكاب المحظور فعرفنا أن اللفظ مستعمل في كل باب ولكن عند الإطلاق يفهم منه اكتساب المال ثم بدأ محمد رحمه الله الكتاب بقوله طلب الكسب فريضة على كل مسلم وفي رواية وقال طلب الكسب بعد الصلاة المكتوبة الفريضة بعد الفريضة وقال عليه السلام طلب الحلال كمقارعة الأبطال ومن مات دائبا في طلب الحلال مات مغفورا وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدم درجة الكسب على درجة الجهاد فيقول لا أموت بين شعبتي رجل أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحب إلي من أن أقتل مجاهدا في سبيل الله لأن الله تعالى قدم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضله على المجاهدين بقوله وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله الآية وفي الحديث أن رسول الله صافح سعد بن معاذ رضي الله عنه فإذا يداه قد أكتبتا فسأله النبي عن ذلك فقال أضرب بالمر والمسحاة لأنفق على عيالي فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وقال كفان يحبهما الله تعالى وفي هذا بيان أن المرء باكتساب مالا بدله منه ينال من الدرجات أعلاها وإنما ينال ذلك بإقامة الفريضة ولأنه لا يتوصل إلى إقامة الفرض إلا به فحينئذ كان فرضا بمنزلة الطهارة لأداء الصلاة وبيانه من وجوه أحدها أن يمكنه من أداء الفرائض بقوة بدنه وإنما يحصل له ذلك بالقوت عادة ولتحصيل القوت طرق الاكتساب أو التغالب بالانتهاب والانتهاب يستوجب العقاب وفي التغالب فساد والله تعالى لا يحب الفساد فعين جهة الاكتساب لتحصيل القوت فقال عليه السلام نفس المؤمن بطنته فليحسن إليها يعني الإحسان بأن لا يمنعها قدر الكفاية وإنما لا يتوصل إلى ذلك إلا بالكسب كما لا يتوصل إلى أداء الصلاة إلا بالطهارة ولا بد لذلك من كوز يستقي به الماء أو دلو أو رشا ينزح به الماء من البئر وكذلك لا يتوصل إلى أداء الصلاة إلا بستر العورة وإنما يكون ذلك بثوب ولا يحصل له ذلك إلا بالاكتساب عادة وما لا يتأتى إقامة الفرض إلا به يكون فرضا في نفسه ثم الكسب طريق المرسلين صلوات الله عليهم وقد أمرنا بالتمسك بهداهم قال الله تعالى ! < فبهداهم اقتده > ! وبيانه أن أول من اكتسب أبونا آدم عليه السلام قال الله تعالى ! < فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى > ! أي تتعب في طلب الرزق وقال مجاهد في تفسيره لا تأكل خبزا بزيت حتى تعمل عملا إلى الموت