بن عباس ما يسرني بمعاريض الكلام حمر النعم فإنما يريد به أن بمعاريض الكلام يتخلص المرء من الإثم ويحصل مقصوده فهو خير من حمر النعم والأصل في جواز المعاريض قوله تعالى ! < ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء > ! الآية فقد جوز الله تعالى المعاريض ونهى عن التصريح بالخطبة بقوله عز وجل ! < ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا > ! ثم بيان استعمال المعاريض من أوجه أحدها أن يقيد المتكلم كلامه بلعل وعسى كما قال عليه السلام فلعنا أمرناهم بذلك ولم يكن أمر به ولم يكن ذلك كذبا منه لتقييد كلامه بلعل والثاني أنه يضمر في لفظه معنى سوى ما يظهره ويفهمه السامع من كلامه وبيانه فيما روى أن النبي قال لتلك العجوز أن الجنة لا يدخلها العجائز فجعلت تبكي فقال لها رسول الله أهل الجنة جرد مرد مكحلون أخبرها بلفظ أضمر فيه سوى ما فهمت من كلامه فدل أن ذلك لا بأس به ومن ذلك ما روى عن عبيدة السلماني رضي الله عنه قال خطب علي رضي الله عنه فقال والله ما قتلت عثمان ولا كرهت قتله وما أمرت ولا نهيت فدخل عليه بعض من الله أعلم بحاله فقال له في ذلك قولا فلما كان في مقام آخر فقال من كان سائلي عن قتل عثمان رضي الله عنه فالله قتله وأنا معه قال بن سيرين رحمه الله هذه كلمة قرشية ذات وجوه أما قوله ماقتلت عثمان رضي الله عنه فهو صدق حقيقة ولا كرهت قتله أي كان قتله بقضاء الله تعالى ونال درجة الشهادة فما كرهت له هذه الدرجة وما كرهت قضاء الله وقدره وأما قوله فالله قتله وأنا معه مقتول أقتل كما قتل عثمان رضي الله عنه فقد كان رسول الله أخبر بأنه يستشهد بقوله وإن أشقى الأولين والآخرين من خضب بدمك هذه من هذه وأشار إلى عنقه ولحيته وقد كان علي رضي الله عنه ابتلى بصحبة قوم على همم متفرقة فقد كان يحتاج إلى أن يتكلم بمثل هذا الكلام الموجه ومنه ما يروى عن سويد بن عفلة أن عليا لما قتل الزنادفة نظر إلى الأرض ثم رفع رأسه إلى السماء ثم قال صدق الله ورسوله ثم قام فدخل بيته فأكثر الناس في ذلك فدخلت عليه فقلت يا أمير المؤمنين ماذا فنيت به الشيعة منذ اليوم أرأيت نظرك إلى الأرض ثم رفعك إلى السماء ثم قولك صدق الله ورسوله أشيء عهد إليك رسول الله أم شيء رأيته فقال علي هل علي من بأس أن أنظر إلى الأرض فقلت لا فقال وهل علي من بأس أن أنظر إلى السماء فقلت لا فقال هل علي من بأس أن أقول صدق الله ورسوله فقلت لا فقال فإني رجل مكابد وإنما أشار إلى