ورسول الله أمر بالكتاب في المعاملة بينه وبين من عامله وأمر بالكتاب فيما قلد فيه عماله من الأمانة وأمر بالكتاب في الصلح فيما بينه وبين المشركين والناس تعاملوه من لدن رسول الله إلى يومنا هذا ولا يتوصل إلى ذلك إلا بعلم الشرط فكان من آكد العلوم وفيه المنفعة من أوجه أحدها صيانة الأموال وقد أمرنا بصيانتها ونهينا عن إضاعتها والثانية قطع المنازعة فإن الكتاب يصير حكما بين المتعاملين ويرجعان إليه عند المنازعة فيكون سببا لتسكين الفتنة ولا يجحد أحدهما حق صاحبه مخافة أن يخرج الكتاب وتشهد الشهود عليه بذلك فيفتضح في الناس والثالثة التحرز عن العقود الفاسدة لأن المتعاملين ربما لا يهتديان إلى الأسباب المفسدة للعقد ليتحرزا عنها فيحملهما الكاتب على ذلك إذا رجعا إليه ليكتب والرابعة رفع الارتياب فقد يشتبه على المتعاملين إذا تطاول الزمان مقدار البدل ومقدار الأجل فإذا رجعا إلى الكتاب لا يبقى لواحد منهما ريبة وكذلك بعد موتهما تقع الريبة لوارث كل واحد منهما بناء على ما ظهر من عادة أكثر الناس في أنهم لا يؤدون الأمانة علي وجهها فعند الرجوع إلى الكتاب لا تبقى الريبة بينهم فينبغي لكل أحد أن يصرف همته إلى تعلم الشروط لعظم المنفعة فيها ولأن الله تعالى عظمها بقوله جل جلاله ! < ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله > ! فقد أضاف الله تعالى تعليم الشروط إلى نفسه كما أضاف تعليم القرآن إلى نفسه فقال عز وجل ! < الرحمن علم القرآن > ! وأضاف تعليم الرسول إلى نفسه فقال جل جلاله ! < وعلمك ما لم تكن تعلم > ! وأبو حنيفة رحمه الله سبق العلماء رحمهم الله ببيان علم الشروط وبذلك يستدل على أن مذهبه أقوى المذاهب فإنه يبعد أن يقال المبتدئ ببيان ما أخبر الله تعالى أنه هو المعلم له لم يكن على غير صواب ثم بدأ الكتاب فقال إذا أراد الرجل أن يشتري دارا كتب هذا ما اشترى فلان بن فلان من فلان بن فلان وبعض أهل الشروط رحمهم الله لم يستحسن هذا اللفظ وقال هذا إشارة إلى البياض الذي كتب فيه فظاهره يوهم أن المشتري ذلك البياض ولكن ينبغي أن يكتب هذا كتاب فيه ذكر ما اشترى ولكنا نقول إنما اختار أصحابنا رحمهم الله هذا اللفظ اقتداء بالكتاب والسنة فإن الله تعالى قال ! < هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ > ! ولم يقل هذا كتاب فيه ذكر ما توعدون ولما اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم