وهو مسافر فأما من أنشأ السفر في رمضان فليس له أن يفطر .
والحديث الذي روينا حجة فقد أفطر رسول الله حين شكى الناس إليه ولا يقال لما أهل الهلال وهو مقيم فقد لزمه أداء صوم الشهر فلا يسقط ذلك عنه بسفر ينشئه باختياره كاليوم الذي يسافر فيه لأنا نقول صوم الشهر عبادات متفرقة وإنما يلزمه الأداء باعتبار اليوم الذي كان مقيما في شيء منه دون اليوم الذي كان مسافرا في جميعه قياسا على الصلوات .
والرابع أن الصوم في السفر أفضل من الفطر عندنا .
وقال الشافعي رحمه الله تعالى الفطر أفضل لأن ظاهر ما روينا من الآثار يدل على أن الصوم في السفر لا يجوز فإن ترك هذا الظاهر في حق الجواز بقي معتبرا في أن الفطر أفضل وقاس بالصلاة فإن الاقتصار على الركعتين في السفر أفضل من الإتمام فكذلك الصوم لأن السفر يؤثر فيهما قال إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم .
( ولنا ) ما روي عن النبي أنه قال في المسافر يترخص بالفطر وإن صام فهو أفضل له وبدأ رسول الله بالصوم حتى شكى الناس إليه ثم أفطر فذلك دليل على أن الصوم أفضل ثم الفطر رخصة وأداء الصوم عزيمة والتمسك بالعزيمة أولى من الترخص بالرخصة وهذا لأن الرخصة لدفع الحرج عنه وربما يكون الحرج في حقه في الفطر أكثر فإنه يحتاج إلى القضاء وحده والصوم مع الجماعة في السفر يكون أخف من الفطر والقضاء وحده في يوم جميع الناس فيه مفطرون بخلاف الصلاة فإن شطر الصلاة سقط عنه أصلا حتى لا يلزمه القضاء فإن الظهر في حقه كالفجر في حق المقيم .
إذا عرفنا هذا فنقول إذا قدم المصر فأفتى أن صومه لا يجزيه تصير هذه الفتوى شبهة في إسقاط الكفارة وكذا كونه مسافرا في أول النهار يصير شبهة في آخره والكفارة تسقط بالشبهة .
( قال ) ( ولا بأس بقضاء رمضان في أيام العشر يريد به تسعة أيام من أول ذي الحجة ) وهو قول عمر رضي الله تعالى عنه وكان علي رضي الله عنه يقول لا يجوز لحديث روي عن رسول الله أنه نهى عن قضاء رمضان في أيام العشر .
ونحن أخذنا بقول عمر رضي الله تعالى عنه لأن الصوم في هذه الأيام مندوب إليه وهو قياس صوم عاشوراء وصوم شعبان وقضاء رمضان في هذه الأوقات يجوز .
وقال أفضل الصيام بعد رمضان عشر ذي الحجة وتأويل النهي في حق من يعتاد صوم هذه الأيام تطوعا أنه لا ينبغي له أن يترك عادته ويؤدي ما عليه من القضاء في هذه الأيام