من غير قبوله لكان يعتق عليه ويلزمه ولاؤه وليس لأحد أن يلزمه الولاء من غير اختياره ولو أوصى له بزوجته أو ملكها بدون قبوله نفذ نكاحه وليس للموصي ولاية إفساد نكاحه فلهذا قلنا بأنه لا يثبت له الملك ما لم يقبل .
وكذلك إن أوصى بأم ولده فما لم يقبلها لا تصير أم ولد له فإن لم يعلم الموصى له بالوصية بعد موت الموصي حتى مات ففي القياس ورثته بمنزلته لا يجبرون على القبول وهو إحدى الراويتين عن زفر رحمه الله لأن الورثة إنما يخلفونه بالقيام في الملك الذي كان ثابتا له في حياته وها هنا الملك ما كان ثابتا له في حياته قبل قبول الوصية وإنما كان الثابت له حق القبول وهو حق متأكد لا يملك غيره ابطاله فيقوم وارثه فيه مقامه فلا يثبت الملك ما لم يقبل الوارث وهذا لأن موت الموصى له مناف للوصية لا متمم لها .
( ألا ترى ) أنه لو مات في حياة الموصي بطلت الوصية وها هنا الوصية ما كانت تامة قبل موته ويستحيل أن يكون الموت الذي هو المنافي متمما للوصية .
ولكنا ندع القياس في هذا ونجعلها من مال الموصى له استحسانا حتى إذا كانت أم ولده تعتق وإذا كانت غير أم ولده تصير مملوكة لورثته لأن سبب الملك قديم من جهة الموصي على وجه لا يتمكن هو ولا من يقوم مقامه من إبطاله وإنما بقي حق الرد للموصى له وذلك يبطل بموته كالمشتري إذا شرط الخيار لنفسه ثم مات في مدة الخيار تم الملك لأن الثابت له حق الرد ولم يبق بعد موته فيتم الملك فهذا مثله وهذا لأن حق الرد إنما كان ثابتا له لحاجته إلى دفع الضرر عن نفسه وقد انتهت حاجته بموته .
ولو كان الموصى له حيا لم يعلم بالوصية وكان يطؤها بالنكاح حتى ولدت له أولادا ثم علم بالوصية فهو بالخيار لأن إقدامه على وطئها قبل العلم بالوصية لا يكون دليل القبول والرضا منه بالوصية والنكاح كان قائما بينهما قبل القبول وحل الوطء ثابت له بحكم النكاح فلهذا نفى خياره في القبول إذا علم بالوصية فإن قبلها كانت أم ولد له لأنه ملكها وله منها ولد ثابت النسب وأولاده أحرار إن كانوا يخرجون من الثلث لأنهم حدثوا بعد تمام الوصية من جهة الموصي وبعد تمام السبب الموجب للملك قبل ثبوت الملك فكانوا بمنزلة الولد الحادث في مدة الخيار إذا تم الملك للمشتري وإن رد الوصية فهي وأولادها للورثة والنكاح بينه وبينها قائم ونسب الأولاد منه ثابت .
ولو أوصى رجل لرجلين بثلثه فرد أحدهما الوصية بعد موته كان للآخر حصته من الوصية إذا قبل لأن في حق الرد منهما بطلت الوصية برده .
ولو بطلت بسبب آخر بأن كان وارثا جاز في حصة الآخر فكذلك إذا بطلت برده وهذا لأن الشيوع لا يمنع صحة الوصية بخلاف الهبة