ثم الجنون يزيل عقله فلا يتحقق معه شهود الشهر وهو السبب الموجب للصوم بخلاف الإغماء فإنه يعجزه عن استعمال عقله ولا يزيله فلذلك جعل شاهدا للشهر حكما وهو كابن السبيل تلزمه الزكاة لقيام ملكه وإن عجز عن إثبات اليد عليه بخلاف من هلك ماله .
( قال ) ( فإن أفاق المجنون في بعض الشهر فعليه صوم ما بقي من الشهر وليس عليه قضاء ما مضى في القياس ) وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لأنه لو استوعب الشهر كله منع القضاء في الكل فإذا وجد في بعضه يمنع القضاء بقدره اعتبارا للبعض بالكل وقياسا على الصبي وهذا لأن الصبي أحسن حالا من المجنون فإنه ناقص العقل في بعض أحواله عديم العقل في بعض أحواله والمجنون عديم العقل بعيد عن الإصابة عادة ولهذا جاز إعتاق الصغير عن الكفارة دون المجنون فإذا كان الصغر في بعض الشهر يمنع وجوب القضاء فالجنون أولى .
استحسن علماؤنا بقوله تعالى ! < فمن شهد منكم الشهر فليصمه > ! 185 والمراد منه شهود بعض الشهر لأنه لو كان السبب شهود جميع الشهر لوقع الصوم في شوال فصار بهذا النص شهود جزء من الشهر سببا لوجوب صوم جميع الشهر إلا في موضع قام الدليل على خلافه ثم الجنون عارض أعجزه عن صوم بعض الشهر مع بقاء أثر الخطاب فيلزمه القضاء كالإغماء وبيان الوصف أنه لو كان حج ثم جن بقي المؤدى فرضا له وكذلك لو كان صلى الفرض ثم جن وبقاء المؤدى فرضا دليل بقاء أثر الخطاب فأما إذا استوعب الجنون الشهر كله فإنما أسقطنا القضاء لا لانعدام أثر الخطاب بل لدفع الحرج والمشقة والحرج عذر مسقط للقضاء كالحيض في حق الصلاة فحاصل الكلام أن الوجوب في الذمة ولا ينعدم ذلك بسبب الصبي ولا بسبب الجنون ولا بسبب الإغماء إلا أن الصبي يطول عادة فيكون مسقطا للقضاء دفعا للحرج والإغماء لا يطول عادة فلا يكون مسقطا للقضاء والجنون قد يطول وقد يقصر فإذا طال التحق بما يطول عادة وإذا قصر التحق بما يقصر عادة ثم فرق ما بين الطويل والقصير في الصوم أن يستوعب الشهر كله لأن الشهر في حكم الأجل وفي الصلاة أن يزيد على يوم وليلة لتدخل الفوائت في حد التكرار وعلى هذا الأصل قلنا لو نوى الصوم بالليل ثم جن بالنهار جاز صومه عن الفرض في ذلك اليوم خلافا للشافعي رحمه الله تعالى لأن الجنون لا ينافي العبادة ولا صفة الفرضية فإن الأهلية للعبادة لكونه أهلا لثوابها وركن الصوم بعد النية هو الإمساك والجنون لا ينافيه .
( قال ) ( وإن جن في شهر رمضان ثم أفاق بعد سنين في رمضان فعليه