فلما كان مأمورا بصلة القرابة وإنما تجب الصلة ممن كان ذا رحم محرم منه فانصرفت الوصية إليه دون غيره لأن القرابة المطلقة قرابة ذي الرحم المحرم لاختصاصها بأحكام مخصوصة من عدم جواز المناكحة والعتق عند الملك وعدم الرجوع في الهبة ووجوب النفقة عند العشرة فانصرفت الوصية إليه وإنما اعتبر الأقرب فالأقرب لأن كل من كان أقرب إليه فهو أشبه بهذا اللفظ فكان أولى كما في العصبات وذوي الأرحام في الميراث والأقرب في الشفعة .
وجه قول أبي يوسف الأول أنه ينصرف إلى كل ذي رحم محرم منه الأقرب والأبعد منه سواء لأنهم في استحقاق الاسم سواء .
( ألا ترى ) أنه لو أوصى لإخوته وله أخوة بعضهم لأب وأم وبعضهم لأب وبعضهم لأم أنهم في الوصية سواء ولا يعتبر الأقرب .
وجه قوله الآخر وهو قول محمد أنه يدخل فيه ذوو الرحم المحرم وغير ذي الرحم المحرم ويصرف إلى كل من يجمعه وأباه أقصى أب في الإسلام أن هذا اللفظ في الأبعدين أكثر استعمالا من الأقربين .
( ألا ترى ) أنه لا يقال للأخ أو العم هذا قريبي فيدخلون كلهم في الوصية .
( ألا ترى ) إلى ما روي في الخبر لما نزل قوله تعالى ! < وأنذر عشيرتك الأقربين > ! جمع رسول الله أقرباءه سبعين نفسا وقال لهم إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد وكان فيهم ذو رحم محرم وغيره فثبت أن كلهم في الوصية سواء إلا أنه لا يمكن أن يدخل فيه جميع أولاد آدم عليه السلام فيجعل الحد فيه من يجمعه وإياهم أقصى أب في الإسلام لأنه لما ورد الإسلام صارت المعرفة بأهل الإسلام وكان قبل ذلك يعرف بقبائل الجاهلية وهما إنما قالا ذلك في زمانهما لأن في ذلك الوقت ربما يبلغ إلى ثلاثة آباء أو أربعة آباء ولا يجاوز ذلك فتتبين أقرباؤه .
أما في زماننا فلا يمكن أن يعتبر ذلك لأن النسبة قد طالت فتقع الوصية لقوم مجهولين فإن ترك عمين وخالين وهم ليسوا بورثة فعند أبي حنيفة الوصية للعمين دون الخالين لأن العم أقرب من الخال لأنه من قبل الأب بدليل الولاية وعندهما الثلث بينهم بالسوية ولو كان له عم واحد وخالان كان للعم النصف والنصف للخالين عنده لأنه أوصى بلفظ الجمع وهو قوله ذوي وأقل الجمع في الوصية اثنان ويصرف النصف إلى الخالين لأنهما يستحقان اسم القرابة فإذا خرج العم من الوسط صار كأنه لم يترك إلا الخالين قال محمد رحمه الله إذا أوصى بثلث ماله لقبيلة دخل الموالي فيه لأنهم ينسبون إلى تلك القبيلة وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال مولى القوم منهم هذا إذا كانوا يحصون