وعند زفر والشافعي يجب عليهما القصاص في النفس لأن الروح انزهقت عقيب فعلهما فيكون مضافا إلى فعل كل واحد منهما ولا معتبر بالتفاوت في صفة الفعل ولا في مقداره كما لو قطع أحدهما أصبعا من أصابعه وجرحه الآخر عشر جراحات نحو قطع اليد والرجل وما أشبه ذلك فإنه يجب القصاص عليهما إذا مات من ذلك للمعنى الذي قلنا .
وأصحابنا قالوا حز الرقبة قتل بيقين لأنه لا توهم للحياة معه فأما قطع اليد فقيل يشترط أن تتصل السراية به .
( ألا ترى ) أن الغالب فيه السلامة فإن القطع مشروع في موضع كان القتل حراما وهو القصاص والتعارض لا يقع بين فعلين بهذه الصفة فيجعل القتل مضافا إلى ما هو مشروع له بيقين وهو حز الرقبة ويكون هذا في حق اليد بمنزلة البرء لتفويت المحل به فلهذا كان القصاص في اليد على الأول والقصاص في النفس على الثاني .
وكذلك لو كان الأول خطأ والثاني عمدا كان على الأول دية اليد وعلى الثاني القصاص .
ولو شهدا على رجلين أنهما قتلا رجلا أحدهما بسيف والآخر بعصا ولا يدريان أيهما صاحب العصا لم تجز شهادتهما لأنهما لم يثبتا بشهادتهما سببا يمكن القاضي من القضاء به .
( ألا ترى ) أن على صاحب العصا نصف الدية على عاقلته وعلى صاحب السيف نصف الدية في ماله فلا يتمكن القاضي من القضاء بشيء على واحد منهما بعينه في ماله أو على عاقلته .
وكذلك لو شهدا على رجل واحد بقطع أصبع وعلى آخر بقطع أخرى من تلك اليد ولا يميز أن قاطع هذه الأصبع من قاطع الأخرى لأن القاضي لا يتمكن من القضاء بفعل معين على واحد منهما فإن ذلك لا يكون بدون تعيين محل فعله .
وكذلك لو شهدا عليهما بالخطأ لا يتمكن القاضي من القضاء بالحكم بدون السبب .
ولو شهدا على رجل أنه قطع إبهام هذا عمدا وشهدا على صاحب الإبهام أنه قطع كف القاطع ذلك عمدا ثم برأ فإنه يخير صاحب الكف فإن شاء قطع ما بقي من يد القاطع بيده وإن شاء أخذ دية يده وبطلت الأصبع أما بطلان الأصبع فلفوات محلها بالفعل الثاني وأما ثبوت الخيار للثاني فلأن مقطوع الإبهام قطع يده الصحيحة ويد المقطوعة الإبهام ناقصة بأصبع وفي هذا يثبت له الخيار للمقطوعة يده .
ولو شهدا على رجل أنه قطع يد رجل من المفصل وشهد آخران أنه جرحه سبع أو سبعان أو جرح نفسه أو جرحه عبد له أو عثر فانكسرت رجله فمات من ذلك كله فلا قصاص على قاطع اليد وعليه نصف دية اليد .
والأصل أن النفس تتوزع على عدد الجناة لا على عدد الجنايات لأن الإنسان قد يتلف بجراحة واحدة وقد يسلم من جراحات ثم ما اتحد حكمه