أنه لا حاجة بالقاضي أن يسألهم عن ذلك لأنه يعرف ذلك بدون شهادتهم فلا يسألهم عنه .
ولو شهدوا به لم يبطل شهادتهم لأن المشهود به الكلام الأول فهذه الزيادة لا تكون قدحا فيها بمنزلة شهادة الشهود على أن هذا ابنه ووارثه لا وارث له غيره .
وإذا شهدوا أنه ضربه بالسيف حتى مات ولم يزيدوا على ذلك فهذا عمد لأن كل فاعل يكون قاصدا إلى فعله في المحل الذي باشر الفعل فيه إلا أن القاضي إذا سألهما أتعمد ذلك فهو أوثق لأن صفة العمدية .
وإن ثبتت بأول كلامهما من حيث الظاهر ولكن لم ينقطع احتمال الخطأ .
( ألا ترى ) أن الشهود لو بينوا أن ذلك كان خطأ كان ذلك بيانا موافقا لأول الكلام فسؤالهما عن العمدية لإزالة هذا الاحتمال يكون أوثق وهكذا يوثق فيما إذا وقع فيه الغلط لا يمكن تداركه والقاضي مندوب إليه وكذلك إن شهدا أنه طعنه برمح أو رماه بسهم أو نشابة فهذا كله عمد .
( أرأيت ) لو شهدا أنه ذبحه أو شق بطنه بالسكين حتى مات أما كان ذلك عمدا فكذلك ما سبق لأن الأسلحة في كونها آلة القتل سواء .
وإن شهد أحدهما أنه قتله بسيف وشهد الآخر أنه طعنه برمح أو أنه ذبحه بالسكين أو شهد أحدهما أنه رماه بسهم والآخر أنه رماه بنشابة أو اختلفا في مكان القتل أو وقته أو موضع الجراحة من بدنه فالشهادة باطلة لأن الفعل يختلف باختلاف الآلة والمحل والوقت والمكان فإنه لا يحتمل التكرار ولم يوجد على كل فعل إلا شهادة شاهد واحد .
ولو شهد شاهدان أنه قطع يده عمدا من مفصله وشهد شاهد أنه قطع رجله من المفصل ثم شهدوا جميعا أنه لم يزل صاحب فراش حتى مات والولي يدعي ذلك كله عمدا فإني أقضي على القاتل بنصف الدية في ماله لأن قطع الرجل لم يثبت عند القاضي فإن الشاهد به واحد وقد ثبت قطع اليد من المفصل عند القاضي بشهادة الشاهدين ولكن قد أقر الولي أنه مات من ذلك الفعل ومن فعل آخر لم يعلم فاعله فيكون ذلك شبهه في إسقاط القود ويتوزع بدل النفس نصفين فيلزمه نصف الدية في ماله لأن فعله كان عمدا فلا يعقله العاقلة وإقرار الولي حجة عليه في حقه .
وكذلك لو شهد على الرجل شاهدان فلم يزكيا لأن الحجة في الرجل لا تتم بدون عدالة الشهود فهما وما لو كان الشاهد به واحدا سواء .
ولو زكى أحد شاهدي اليد وأحد شاهدي الرجل لم يؤخذ القاتل بشيء لأن واحدا من الفعلين لم يثبت عند القاضي فإن العدل من الشهود بكل فعل واحد .
ولا يقال قد اتفق العدلان على الحكم وهو القصاص فينبغي أن يقضي به لأنه لا يمكن القضاء بالحكم إلا بعد القضاء بالسبب وقد تعذر القضاء بذلك .
( ألا ترى