كان قتلا في الأصل لأن القتل فعل مزهق للروح وإنما انزهق هذا الروح عقيب هذا الفعل فعرفنا أنه قتل ولهذا صح العفو بلفظ الجناية لأن اسم الجناية يتناول القتل وما دونه .
( ألا ترى ) أنه لو قال لا جناية في قتل فلان ثم ادعى عليه النفس أو ما دون النفس لم تسمع بخلاف القطع فهو اسم حائز لما دون النفس حتى لو قال لا قطع لي قبل فلان ثم ادعى عليه النفس صحت الدعوى وكذلك إذا قال عفوتك عن القطع وما يحدث منه لأن ذلك عبارة عن النفس وقد تبين أن حقه كان في النفس فصح العفو وهذا بخلاف المأذون في الابتداء لأن الإذن صادف محلا هو حقه فيصير المأذون قائما مقام الإذن في إقامة الفعل فيه فكأنه فعل بنفسه وبخلاف ما لو اقتصر لأنه تبين هناك أن فعله كان قطعا وأن حقه في قطع واجب بمقابلة هذا القطع .
فأما إذا دفع العبد باليد فالصلح هناك باطل عند أبي حنيفة إذا سرى قبل أن يعتقه إلا أن عتقه إنما ينفذ لأنه مقبوض بحكم صلح فاسد فيصير مملوكا فينفذ فيه العتق ثم من حيث الظاهر إنما دفع العبد باليد ومن حيث المعنى قصد المولى دفعه بالجناية .
فإذا لم يتصل به ما لا يمكن فسخه وهو العتق اعتبرنا الظاهر وقلنا إذا سرى فالصلح باطل .
وإذا اتصل به ما لا يمكن فسخه اعتبرنا المقصود وهو الدفع بالجناية فقلنا العتق نافذ والعبد صلح بالجناية .
يوضحه أن هناك نفذ العتق لكونه مملوكا له وإن كان بسبب فاسد ويضمن قيمته لمولاه ثم المجني عليه يستوجب القيمة على المولى أيضا لأنه دفعه على وجه لم يصر به مختارا فكان مستهلكا فيلزمه قيمته فتقع المقاصة بين القيمتين فلهذا قال العتق نافذ والعبد صلح بالجناية .
وأما مسألة الجامع فقيل إنه قول محمد ثم إنما يتبين أن الحق في النفس إذا ثبتت السراية ولم تثبت لأن الشاهد بها واحد وبدون السراية الحق في الشجة وقد اتفق الشاهدان عليه ولا يقال المدعي يتبرأ من الشجة لأنه إنما يتبرأ منها إذا ثبت حقه في النفس ولم يثبت فهو بمنزلة ما لو ادعى بيع عين من إنسان بثمن وأنكر المشتري وحلف بنفي العين عن ملك المدعي لأنه إنما يتبرأ من ملك العين إذا ثبت حقه في اليمين ولم يثبت ثم في القياس يجب القصاص عند أبي حنيفة لأن العفو لما حصل من غير حقه كان وجوده كعدمه .
ولكن في الاستحسان قال حقه في الصورة عند العفو ما أضاف إليه العفو وإن تبين في الأخيرة أنه غيره وكذلك ما أضاف إليه العفو هو السبب لثبوت حقه في النفس ظاهرا ليصير ذلك شبهة في رد القود .
وقد قال في مسألة الجامع الصغير لو لم يعتق العبد حتى سرى فالصلح باطل والقصاص واجب عند أبي حنيفة قيل ما ذكر هذا حق بسبب