محض وصفة التمحض أن يباشر القتل بآلته في محله وآلة القتل هي الآلة الجارحة لأن الجرح يعمل في نقض البينة ظاهرا وباطنا وما سواها يدق بنقض البينة باطنا لا ظاهرا وقوام البينة بالظاهر والباطن جميعا فالقتل الذي هو نقض البينة إذا كان مما يعمل في الظاهر والباطن يكون قتلا من كل وجه .
وإن كان مما يعمل في الباطن دون الظاهر يكون قتلا من وجه دون وجه والثابت من وجه دون وجه يكون قاصرا في نفسه فيصلح أن يجب به ما يثبت مع الشبهات ولا يصلح أن يجب به ما يندرئ بالشبهات .
وما ادعوا من أن الجرح وسيلة يتوسل به إلى إزهاق الروح غلط فإن إزهاق الروح بنقض البينة وكمال الجناية مما ينقض البينة من كل وجه ونقض البينة بجرح في الروح لا يتأنى لأنه لا يحس ويفعل في الجسم ما لا يكون كاملا فإنما الكامل منه ما يكون بفعل في النفس التي بها قوام الآدمي وذلك الفعل الجارح المؤثر في تسييل والدليل عليه حكم الذكاة .
فإن الحل بالذكاة إنما يحصل بفعل جارح مسيل للدم بهذا المعنى ولا يحصل بما يعمل في الجسم فلا يكون ناقضا للبينة ظاهرا وهو الفعل الذي يدق ولا فرق بينهما لأن الحل مبني على الاحتياط فلا يثبت عند تمكن الشبهة كالقود ويخرج عليه النار فإنها تعمل في الظاهر والباطن جميعا وقيل في الذكاة أيضا إذا قرب النار من مذبح الشاة حتى انقطع بها الأوداج وسال الدم تحل وإن لم يسل لا تحل لأن ما هو المقصود بالذكاة وهو تمييز الطاهر من النجس لم يحصل .
والوجه ( الأخير ) أن آلة القتل الحديد قال الله تعالى ! < وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد > ! 25 والمراد القتل .
وكذلك خزائن أسلحة الملوك تكون من الحديد فأما الخشب والأحجار فمعدة للأبنية والحديد هو المستعمل في القتال وإنما ينصب المنجنيق لتخريب الأبنية .
( ألا ترى ) أن الحديد إذا حصل القتل به وجب القصاص صغيرا كان أو كبيرا حتى أنه لو غرزه بمسلة أو إبرة في مقتله يلزمه القصاص وما سوى الحديد الصغير منه لا يوجب القصاص وإن تحقق به القتل والفعل لا يتم إلا بآلته فبقصور في الآلة تتمكن شبهة النقصان في الفعل وذلك يمنع وجوب القصاص .
فعلى هذا الطريق يقول القتل بمثقل الحديد يوجب القصاص نحو ما إذا ضربه بعمود حديد أو بصنجات الميزان لأن الحديد في كونه آلة القتل منصوص عليه وفي المنصوص عليه يعتبر عين النص فأما في غير المنصوص عليه فالحكم يتعلق بالمعنى فيعتبر كونه محددا نحو سن العصا والمروة وليطة القصب ونحو ذلك .
وعلى الطريق الأول يقول لا يجب القصاص إلا بما هو محدد والحديد وغيره فيه سواء وهو رواية الطحاوي