على قياس هذه الطريقة أن تكون الدية على عاقلة الورثة وهو الأصح وعلى قياس الطريقة الأولى على عاقلة القتيل .
ثم إذا وجد غيره قتيلا في داره إنما يجعل الدية والقسامة عليه باعتبار الظاهر لأن الظاهر أن غيره لا يتمكن من ذلك في ملكه وهذا لا يوجد فيما إذا وجد هو قتيلا فيها فالظاهر أن الإنسان لا يقتل نفسه فلهذا يجعل كأن غيره قتله وعند القتل كان التدبير في حفظ ذلك الموضع إليه فإذا فرط في ذلك وجبت الدية على عاقلته لورثته .
فإن قيل إذا قلتم تجب الدية على عاقلة الورثة فكيف يستقيم أن تعقلوا عنهم .
قلنا لأن الدية تجب للمقتول حتى أنه يقضي منها ديونه وتنفذ وصاياه ثم يخلفه الوارث وهو نظير الصبي أو المعتوه إذا قتل أباه فإنه تجب الدية على عاقلته ويكون ميراثا له وهذا بخلاف المكاتب يوجد قتيلا في دار نفسه لأن هناك إذا وجد غيره قتيلا إنما يجعل هو كالقاتل له باعتبار عقد الكتابة وعقد الكتابة باق بعد ما وجد هو فيه قتيلا فلهذا جعل كأنه قتل نفسه فأما ها هنا إذا وجد غيره قتيلا إنما يجعل هو كالقاتل له لقيام ملكه في الدار حين وجد القتيل وذلك غير موجود فيما إذا وجد هو قتيلا فيه فإن الملك منتقل إلى ورثته فلهذا افترقا .
والقتيل عندنا كل ميت به أثر فإن لم يكن به أثر فلا قسامة فيه ولا دية إنما هذا ميت لأن حكم القسامة ثبت شرعا في المقتول والمقتول إنما مات حتف أنفه بالأثر فمن لا أثر به فهو ميت فلا حاجة بنا إلى صيانة دمه عن الهدر بخلاف من به أثر وهو نظير من وجد في المعركة وبه أثر يكون شهيدا لا يغسل فإن لم يكن به أثر غسل .
وكذلك إن كان الدم يخرج من موضع يخرج الدم منه عادة من غير جرح في الباطن كالأنف فلا قسامة فيه .
وإن كان لا يخرج الدم منه عادة إلا بجرح في الباطن كالأذن فهو قتل وقد بينا هذا في الشهيد .
وإن ادعى أهل القتيل على بعض أهل المحلة الذين وجد القتيل بين أظهرهم فقالوا قتله فلان عمدا أو خطأ لم يبطل هذا حقه وفيه القسامة والدية لأنهم ذكروا ما كان معلوما لنا بطريق الظاهر وهو أن القاتل واحد من أهل المحلة .
ولكنا لا نعلم ذلك حقيقة .
وكذلك بدعوى الأولياء على واحد منهم بعينه لا يصير معلوما لنا حقيقة أنه هو القاتل .
فإذا لم يستفد بهذه الدعوى شيئا لا يتغير به الحكم فتبقى القسامة والدية على أهل المحلة كما كان وروى بن المبارك عن أبي حنيفة رحمه الله أنه أسقط القسامة عن أهل المحلة لأن دعوى المولى على واحد منهم بعينه يكون إبراء لأهل المحلة عن القسامة في قتيل لا يعرف قاتله .
فإذا زعم الولي أنه يعرف القاتل منهم بعينه صار مبرئا لهم عن القسامة