الخطأ أنه لا يجب فيه القصاص لأن الخطأ موضوع عنا رحمة من الشرع قال الله تعالى ! < وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به > ! 5 وقال ! < ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا > ! 286 وقال عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فإذا تعذر إيجاب القصاص وجبت الدية بالنص قال الله تعالى ! < ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله > ! 92 وبينا المعنى فيه لصيانة دم المقتول عن الهدر فاستحقاق صيانة نفسه لا يسقط بعذر الخاطئ ومن موجبه الكفارة فإنها تثبت بهذا النص أيضا .
والمعنى فيه معقول فإن القتل أمر عظيم قلما يبتلي به المرء من غير قصد ما لم يكن به تهاون في التحرز وعلى كل أحد المبالغة في التحرز لكيلا يبتلى بمثل هذا الأمر العظيم فإذا ترك ذلك كان هو ملتزما بترك التحرز فنوجب عليه الكفارة جزاء على ذلك ولأن مثل هذا الأمر العظيم لا يبتلى به المرء إلا بنوع خذلان وهذا الخذلان لا يكون إلا عن ذنوب سبقت منه والحسنة تذهب السيئة قال الله تعالى ! < إن الحسنات يذهبن السيئات > ! 114 فنوجب عليه الكفارة لتكون ماحية للذنوب السابقة فلا يبتلي بمثل هذا الأمر العظيم بعدها وفي سيئة العمد معنى إيجاب الكفارة أظهر لما يلحقه من المأثم بالقصد إلى أصل الفعل .
وفيه حديث واثلة بن الأسقع حيث قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاحب لنا قد أوجب النار بالقتل فقال عليه السلام اعتقوا عنه رقبة يعتق الله تعالى بكل عضو عضوا منه من النار وإيجاب النار لا يكون إلا بالإقدام على قتل محرم وقد قامت الدلالة على أن الكفارة لا تجب في العمد المحض فعرفنا أن المراد شبه العمد .
ثم قال الشافعي المعنى في وجوب الكفارة بالقتل أنه نقص من عدد المسلمين أحدهم ممن كان يحضر الجمع والجماعات فعليه إقامة نفس مقام ما أتلف ولا يمكنه ذلك إحياء فعليه إقامة مقام النفس المتلفة تحريرا لأن الحرية حياة والرق تلف وبهذا أوجب الكفارة على العامد وقلنا نحن إنما أوجب الكفارة عليه لأن الشرع سلم له نفسه شكرا لله حين أسقط عنه القود بعذر الخطأ مع تحقق إتلاف النفس منه فعليه إقامة نفس مقام نفسه شكرا لله وذلك في أن تحرر نفس منه لتشتغل بعبادة الله وإن عجز عن ذلك فعليه صوم شهرين متتابعين شكرا لله حيث سلم له نفسه وبهذا لا نوجب الكفارة على العامد لأن الشرع أوجب عليه القصاص ونوجبها في شبه العمد لأن الشرع سلم له نفسه تخفيفا عليه وترجيح أحد المعنيين على الآخر يبين في مسألة كفارة العمد إذا انتهينا إليها إن شاء الله تعالى .
وليس في هذه الكفارة إطعام عندنا .
وفي أحد قولي الشافعي إذا عجز عن الصوم يطعم ستين مسكينا بالقياس على كفارة