بينا أن حرمة الميتة تنكشف عند الضرورة وقد تحققت الضرورة هنا فالتحقت الميتة بالمباح من الطعام كما لو أكره عليه بعينه فإن لم يأكل الميتة وقتل المسلم فعليه القود لأنه طائع في الإقدام على القتل حين تمكن من دفع البلاء عن نفسه بتناول الميتة وذلك مباح له عند الضرورة وليس في التحرز عن المباح إظهار الصلابة في الدين فلهذا لزمه القود وأشار إلى الفرق بين هذا وبين ما تقدم فقال ( ألا ترى ) أنه لو لم يكفر حتى قتل كان مأجورا ولو لم يأكل الميتة حتى قتل كان آثما إذا كان يعلم أنه يسعه ذلك وقد بينا في أول الكتاب قول أبي يوسف رحمه الله في أنه لا يأثم إذا امتنع من التناول عند الضرورة وأن الأصح ما ذكره في الكتاب من انكشاف الحرمة .
ولو أكرهه في هذا بوعيد أو سجن أو قيد لم يسعه أن يكفر فإن فعل بانت منه امرأته لأن الضرورة لم تتحقق فإن شرب الخمر عند الإكراه بالحبس ففي القياس عليه الحد لأنه لا تأثير للإكراه بالحبس في الأفعال فوجوده كعدمه .
( ألا ترى ) أن العطشان الذي لا يخاف على نفسه الهلاك إذا شرب الخمر يلزمه الحد فالمكره بالحبس قياسه وفي الاستحسان لا حد عليه لأن الإكراه لو تحقق به الإلجاء صار شرب الخمر مباحا له فإذا وجد جزء منه يصير شبهة كالملك في الحر وفي الجارية المشتركة يصير شبهة في إسقاط الحد عنه بوطئها ولأن الإكراه بالحبس معتبر في بعض الأحكام غير معتبر في البعض وحد الخمر ضعيف ثبت باتفاق الصحابة رضي الله عنهم على ما قال علي رضي الله عنه ما من أحد أقيم عليه حدا فيموت فأجد في نفسي من ذلك شيئا إلا حد الخمر فإنه ثبت بآرائنا فلهذا صار هذا القدر من الإكراه شبهة في إسقاط هذا الحد خاصة .
وإن قتل المسلم قتل به في الوجوه كلها لأن الإكراه بالحبس لا أثر له في نسبة الفعل إلى المكره ولا في إباحة القتل فلا يصير الإكراه بالحبس شبهة في إسقاط القود عن القاتل .
ولو قال له لأقتلنك أو لتقتلن هذا المسلم عمدا أو تزني بهذه المرأة لم يسعه أن يصنع واحدا منهما حتى يقتل فإن صنع واحدا منهما فهو آثم لأن كل واحد من هذين الأمرين لا يحل له بالإكراه وإن أكره عليه بعينه فكذلك إذا أكره على أحدهما بغير عينه .
فإن أبى أن يفعل واحدا منهما حتى قتل كان مأجورا لأنه بذل نفسه في التحرز عن الحرام وقيل بالذي قتله لأنه قتله ظلما فعليه القود وإن زنا كما أمره ففي القياس عليه الحد .
وفي الاستحسان عليه المهر .
ومن أصحابنا من قال المراد بالقياس في قول أبي حنيفة رحمه الله الأول وبالاستحسان قوله الآخر كما بينا فيما إذا أكره على الزنى بعينه .
والأصح أن هذا قياس واستحسان أجريناه على