ونظهر أنه غير هزل ولا باطل ونظهر مع ذلك أنا إن كنا جعلنا في السر هزلا فقد أبطلنا ذلك وجعلناه جدا جائزا وأشهدا على أنفسهما بذلك ثم قالا علانية قد أبطلنا كل هزل في هذا البيع ونحن نجعله بيعا صحيحا فتبايعا على هذا وادعى أحدهما جواز البيع بينهما فالبيع جائز باعتبار الظاهر فإنه شاهد لمن يدعي جوازه إلا أن يقيم الآخر البينة على ما كانا قالا في السر من ذلك فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وما كان منهما في العلانية من إبطال كل هزل تحقيق لما كانا تواضعا عليه في السر لا إبطال له فلهذا كان البيع بينهما باطلا .
وإن كانا قالا في العلانية إنا قلنا في السر نريد أن نتبايع في العلانية بيعا باطلا هزلا وقد أبطلنا ذلك فقال صاحبه صدقت ثم تبايعا فالبيع باطل إذا قامت البينة على ما كانا قالا في السر لما بينا أن هذا الإبطال تحقيق منهما للمضي على تلك المواضعة فلا يتغير به الحكم إلا أن يقول أحدهما بمحضر من صاحبه وهو يسمع أنا كنا قلنا في السر أنا نتبايع بيعا هزلا وقلنا في السر أيضا أنا نظهر في العلانية أنا قد أبطلنا كل قول قلناه في السر من هذا وإنا قد أبطلنا جميع ما قلنا في السر من هذا وإنا بعنا بيعا صحيحا فإذا قالا هذا أو قال أحدهما والآخر يسمع فالبيع جائز لا يقدر أحدهما على أن يبطله لأنهما وضعا جميع ما كانا قالا في السر ثم أبطلا جميع ذلك وهذا النوع من الإبطال ليس يمضي على موافقة ما تواضعا عليه بل هو إبطال لذلك وتلك المواضعة ما كانت لازمة فتبطل بإبطالهما .
فأما إذا وضعا إبطال ما قالا في البيع خاصة وأبطلا ذلك فهذا مضي منهما على موافقة ما تواضعا عليه وذلك مبطل للبيع لا مصحح له والله أعلم .
$ باب العهدة في الإكراه $ ( قال رحمه الله ) ( ولو أن لصا أكره رجلا بوعيد تلف أو سجن على أن يبيع متاع اللص من هذا الرجل بألف درهم فباعه والمشتري غير مكره فالبيع جائز ) لأن البيع مع الإكراه منعقد والمالك راض بنفوذه والمشتري راض به أيضا والثمن للص على المشتري ولا عهدة على البائع لأنه غير راض بالتزام العهدة حين كان مكرها على ذلك وعهدة البيع لا تلزمه بغير رضاه فإذا تعذر إيجاب العهدة على العاقد كانت العهدة على المنتفع بالعقد وهو المالك كما لو أمر عبدا محجورا عليه أو صبيا ببيع متاعه فباعه كانت العهدة على الآمر .
فإذا طلب البائع الثمن من المشتري بعد ذلك بغير إكراه فله أن يقبضه وعلى المشتري دفعه إليه وتكون عهدته عليه