ولو قال رجل لامرأة أتزوجك تزوجا هزلا فقالت نعم ووافقهم على ذلك الولي ثم تزوجها كان النكاح جائزا في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والعتاق ولأن النكاح لا تمتنع صحته بعد اختيار السبب لعدم اختيار الحكم كما لو شرط الخيار فيه كان النكاح صحيحا .
وبهذا الفصل يتبين أن بيع الهازل منعقد تلحقه الإجازة منهما لأن بالهزل لو كان ينعدم اختيار أصل السبب لما صح النكاح والطلاق والعتاق من الهازل وأصل السبب لا بد من اعتباره في هذه الأشياء .
وكذلك لو طلق امرأته على مال على وجه الهزل أو أعتق جاريته على مال على وجه الهزل وقد تواضعا قبل ذلك أنه هزل وقع الطلاق والعتاق ووجب المال وهذا عندنا قول أبي يوسف ومحمد أما عند أبي حنيفة رحمه الله فيتوقف وقوع الطلاق والعتاق على وجود الإجازة من المرأة والعبد لما بينا أن الهزل بمنزلة شرط الخيار .
وعند أبي حنيفة شرط الخيار في جانب المرأة والعبد يمنع وقوع الطلاق والعتاق ووجوب المال قبل إسقاط الخيار لأن الذي في جانبهما مال فيعتبر بالعقد الذي هو مبادلة مال بمال وعندهما شرط الخيار لا يمنع وقوع الطلاق والعتاق أو هو المقصود بالعقد فأما المال فتبع فيه وثبوت التبع بثبوت الأصل فكذلك الهزل والإجارة والقسمة والكتابة بمنزلة البيع في حكم التلجئة لأن هذه العقود محتملة للنقض بعد وقوعها كالبيع .
ولو تواضعا على أن يجيزا أنهما تبايعا هذا العبد أمس بألف درهم ولم يكن بينهما بيع في الحقيقة ثم قال البائع للمشتري قد كنت بعتك عبدي يوم كذا بكذا وقال الآخر صدقت فليس هذا ببيع لأن الإقرار خبر متمثل بين الصدق والكذب والمخبر عنه إذا كان باطلا فبالاخبار به لا يصير حقا .
ولو أجمعا على إجازته بعد ذلك لم يكن بيعا لأن الإجازة إنما تلحق العقد المنعقد وبالإقرار كاذبا لا ينعقد العقد فلا تلحقه الإجازة .
( ألا ترى ) أنهما لو صنعا مثل ذلك في طلاق أو عتاق أو نكاح لم يكن ذلك طلاقا ولا عتاقا ولا نكاحا .
وكذلك لو أقر بشيء من ذلك من غير تقدم المواضعة لم يكن طلاقا ولا عتاقا ولا نكاحا فيما بينه وبين ربه وإن كان القاضي لا يصدقه في الطلاق والعتاق على أنه كذب إذا أقر طائعا وقد بينا الفرق بين الإقرار والإنشاء في هذه التصرفات مع الإكراه فكذلك مع التلجئة .
ولو كان قبض العبد الذي قال فيه ما قال فأعتقه ثم قامت البينة على ما كانا قالا في السر من المواضعة على الإقرار بطل العتق ورد العبد على مولاه لأنه ثبت أن إقرارهما كان كذبا وأن إعتاقه حصل في غير ملكه