الذي أكرهه لأن تلف العبد منسوب إليه فيغرم قيمته فيأخذها المولى منه لأنه بدل ملكه ثم يدفعها إلى ولي الجناية لأن الرقبة كانت مستحقة لولي الجناية وقد فاتت وأخلفت بدلا ولو كان الإكراه بحبس أو قيد لم يضمن المكره شيئا لأن التلف لا يصير منسوبا إلى المكره بهذا التهديد ويغرم المولى قيمة العبد لأصحاب الجناية ولا يلزمه أكثر منها لأنه بالإكراه بالحبس ينعدم الرضا فيخرج به من أن يكون مختارا للفداء ملتزما للدية ولكنه يكون مستهلكا للرقبة فيغرم قيمته بمنزلة ما لو أعتقه وهو لا يعلم بالجناية .
ولو كان المولى أكره بوعيد تلف حتى قتل عبده عمدا كان للمولى أن يقتل الذي أكرهه لأن القتل صار منسوبا إلى المكره فصار المكره آلة له بالإلجاء فيجب القصاص عليه ويكون استيفاء القصاص إلى المولى لأنه عوض عن العبد وهو ملكه فباعتبار الملك يخلفه في عوض نفسه خلافة الوارث المورث ويبطل حق أصحاب الجناية لفوات محل حقهم فالقصاص الواجب غير صالح لإيفاء حقهم منه .
وإن كان إكراهه بحبس أو قيد فلا شيء على المكره وعلى المولى قيمته لأصحاب الجناية لأنه مستهلك للعبد فإنه لم يصر ملجأ بالإكراه بالحبس فكان الفعل مقصورا عليه ولكنه لم يصر مختارا للفداء لانعدام الرضا منه بالتزام الدية لأجل الإكراه بالحبس فيلزمه قيمته للاستهلاك كما لو قتله وهو لا يعلم بالجناية والله أعلم بالصواب .
$ باب الإكراه على النذر واليمين $ ( قال رحمه الله ) ( ولو أكره بوعيد تلف حتى جعل على نفسه صدقة لله أو صوما أو حجا أو عمرة أو غزوة في سبيل الله أو بدنة أو شيئا يتقرب به إلى الله تعالى لزمه ذلك وكذلك لو أكرهه على اليمين بشيء من ذلك أو بغيره من الطاعات أو المعاصي ) والأصل فيه حديث حذيفة رضي الله عنه أن المشركين لما أخذوه واستحلفوه على أن لا ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حلف مكرها ثم أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام أوف لهم بعهدهم ونحن نستعين بالله عليهم وقد بينا أن اليمين بمنزلة الطلاق والعتاق في أن الهزل والجد فيه سواء وهذا لأن فيه منع نفسه عن شيء وإيجاب شيء على نفسه لحق الله تعالى فيكون في معنى الطلاق والعتاق الذي يتضمن تحريم الفرج حقا لله تعالى فيستوي فيه الكره والطوع والنذر بمنزلة اليمين في هذا المعنى وقال عليه الصلاة والسلام النذر يمين ولا ضمان على المكره في شيء من ذلك لأن التزامه لا يصير منسوبا إلى المكره وإنما ينسب إليه التلف الحاصل به ولا يتلف عليه شيء بهذا الالتزام ثم المكره إنما ألزمه شيئا يؤثر الوفاء به فيما بينه وبين ربه من غير أن يجبر عليه في الحكم فلو ضمن له شيئا كان يجبر على إيفاء ما ضمن في الحكم فيؤدي إلى أن يلزمه أكثر مما يلزم المكره وهذا لا يجوز