فإن الحق له بعد تمام الفعل فيعتبر إسقاطه وهذا بخلاف العفو فإن العفو إسقاط بعد وجود السبب والإسقاط بعد وجود السبب وقبل الوجوب يصح فأما الإذن فلا يمكن أن يجعل إسقاطا لأن السبب لم يوجد بعد وباعتبار عينه الإذن لاقى حق الغير فلا يصح ووجه ظاهر الرواية أن إذنه في القتل باعتبار ابتدائه صادف حقه وباعتبار مآله صادف حق الوارث فلاعتبار الابتداء يمكن شبهة والقصاص يسقط بالشبهة ولاعتبار المال تجب عليه الدية في ماله ولهذا قال أبو يوسف في الآذن في قتل أبيه أو ابنه أنه باعتبار الابتداء لاقى حق الغير وباعتبار المآل لاقى حقه فيصير المال شبهة في إسقاط القود ويجب عليه الدية ولو قطع يده بإذنه فمات منه لم يكن على القاطع ولا على الآمر في ذلك شيء لأن أصل الفعل صار هدرا فلو سرى إلى النفس كان كذلك كما لو قطع يد مرتد فأسلم ثم سرى إلى النفس .
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه تجب الدية هنا لأن القطع إذا اتصلت به السراية كان قتلا فإذا لم يتناوله الإذن فلا شك أنه يجب الضمان به وإن تناوله الإذن فهو بمنزلة قوله اقتلني فيكون موجبا للدية ولو أكرهه على أن يصنع به شيئا لا يخاف منه تلف من ضرب سوط أو نحوه ففعل ذلك به رجوت أن لا يأثم فيه لأنه يدفع الهلاك عن نفسه بما يلحق الهم والحزن بغيره وقد رخص له الشرع في ذلك فإن المضطر يباح له أن يأخذ مال الغير فيتناوله بغير رضاه .
فإن أبى عليه ذلك فمات منه كانت ديته على عاقلة المكره لأن فعل المكره صار منسوبا إلى المكره فكأنه فعل ذلك بنفسه وهذا بمنزلة الخطأ وهو يوجب الدية على عاقلته وهذا إذا لم يكن المقتول أذن له في ذلك فإن كان أذن له في ذلك طوعا فلا ضمان فيه على أحد لأن فعل الغير به بإذنه كفعله بنفسه .
ولو أكرهه بوعيد تلف على أن يأخذ مال رجل فيرمي به في مهلكة فأذن له صاحبه فيه ففعله فلا شيء على واحد منهما لأن صاحب الحق أسقط حقه بالإذن له في الإتلاف طوعا .
ولو كان أكره صاحب المال بوعيد تلف أيضا على أن أمره بذلك فإذنه مع الإكراه لغو والضمان على المكره لأن المكره آلة في ذلك الفعل والفعل صار منسوبا إلى المكره ولا ضمان على الفاعل إن علم أن صاحب المال مكره على الإذن أو لم يعلم لأنه بالإلجاء يصير كالآلة ولا يختلف ذلك باختلاف صاحب المال في الإذن طوعا أو كرها .
ولو كان الفاعل أكره على ذلك بحبس أو قيد لم يحل له أن يستهلك مالا لأن هذا من مظالم العباد فلا يرخص له في الإقدام عليه بدون الإلجاء وبالحبس والقيد لا يتحقق الإلجاء إلا أن يأمره به صاحبه بغير إكراه فحينئذ لا شيء