وهو لم يكن متمكنا من الطلب هنا حين سد فمه أو قيل له لئن تكلمت بطلب شفعتك لنقتلنك أو لنحبسنك فهذا لا يبطل شفعته فأما بعد زوال الإكراه إذا لم يطلب بطلت شفعته لترك الطلب بعد التمكن .
فإن قيل أليس أن الإكراه بمنزلة الهزل والهازل بتسليم الشفعة تبطل شفعته فكذلك المكره على تسليم الشفعة .
قلنا إذا هزل بتسليم الشفعة قبل الطلب بطلت شفعته لترك الطلب مع الإمكان لا بالهزل بالتسليم فأما إذا طلب الشفعة ثم سلمها هازلا واتفقا أنه كان هازلا في التسليم لم تبطل شفعته لما بينا أنه بمنزلة التجارة يعتمد تمام الرضا .
فإن قال المشتري أنه لم يكف عن الطلب للإكراه ولكنه لم يرد أخذها بالشفعة وقال الشفيع ما كففت إلا للإكراه فالقول قول الشفيع لأن قيام السيف على رأسه دليل ظاهر على أنه إنما كف عن الطلب للإكراه ولكنه يحلف بالله ما منعه من طلب الشفعة إلا الإكراه لأن المشتري ادعى عليه ما لو أقر به لزمه فإذا أنكره استحلف عليه .
ولو أن رجلا أكرهه أهل الشرك على أن يكفر بالله وله امرأة مسلمة ففعل ثم خلى سبيله فقالت قد كفرت بالله تعالى وبنت منك وقال الرجل إنما أظهرت ذلك وقلبي مطمئن بالإيمان ففي القياس القول قولها ويفرق بينهما لأنه لا طريق لنا إلى معرفة سره فوجب بناء الحكم على ظاهر ما نسمعه منه وهذا لأن الشرع أقام الظاهر الذي يوقف عليه مقام الخفي الذي لا يمكن الوقوف عليه للتيسير على الناس فباعتبار الظاهر قد سمع منه كلمة الردة فتبين منه امرأته .
ولكنه استحسن فقال القول قوله مع يمينه لأن النبي عليه الصلاة والسلام قبل قول عمار رضي الله عنه ولم يجدد النكاح بينه وبين امرأته ولأن الظاهر شاهد له فإن امتناعه من إجراء كلمة الشرك حتى تحقق الإكراه دليل على أنه مطمئن القلب بالإيمان وأنه ما قصد بالتكلم إلا دفع الشر عن نفسه وهذا بخلاف ما إذا أكره على الإسلام فإنه يحكم بإسلامه لأن الإسلام مما يجب اعتقاده فذلك دليل على أنه قال ما قال معتقدا وهو معارض للإكراه فعند تعارض الدليلين يصار إلى ظاهر ما سمع منه فأما الشرك مما لا يجوز اعتقاده والإكراه فدليل على أنه معتقد فلهذا لا يحكم بردته إذا أجرى كلمة الشرك مكرها والله أعلم .
$ باب ما يكره أن يفعله بنفسه أو ماله $ ( قال رحمه الله ) ( ولو أن رجلا أكرهه لص بالقتل على قطع يد نفسه فهو إن شاء الله