ما يرى الحاكم إذا رفع ذلك إليه فما رأى أنه إكراه أبطل الإقرار به لأن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس فالوجيه الذي يضع الحبس من جاهه تأثير الحبس والقيد يوما في حقه فوق تأثير حبس شهر في حق غيره فلهذا لم نقدر فيه بشيء وجعلناه موكولا إلى رأي القاضي ليبني ذلك على حال من ابتلي به .
ولو أكرهوه على أن يقر لرجل بألف درهم فأقر له بخمسمائة كان باطلا لأنهم حين أكرهوه على ألف فقد أكرهوه على أقل منها فالخمسمائة بعض الألف ومن ضرورة امتناع صحة الإقرار بالألف إذا كان مكرها امتناع صحة إقراره بما هو دونه ولأن هذا من عادات الظلمة أنهم يكرهون المرء على الإقرار وبدل الحط بألف ويقنعون منه ببعضه فبهذا الطريق جعل مكرها على ما دون الألف ولو أقر بألفين لزمه ألف درهم لأنه طائع في الإقرار في أحد الألفين وليس من عادات الظلمة أن يتحكموا على المرء بمال ومرادهم أكثر من ذلك .
وفرق أبو حنيفة بين هذا وبين ما إذا شهد أحد الشاهدين بألف والآخر بألفين فإن هناك لا تقبل الشهادة على شيء وقال هناك لا يصح إقراره بقدر ألف وتصح الزيادة لأن في الشهادة تعتبر الموافقة من الشاهدين لفظا ومعنى وقد انعدمت الموافقة لفظا فالألف غير الألفين وهنا المكره مضار متعنت فإنما يعتبر في حقه المعنى دون اللفظ وقد قصد الإضرار به بإلزام الألف إياه بإقراه فيرد عليه قصده ولا يلزمه الألف بما أقر به ويلزمه ما زاد عليه ولو أقر بألف دينار لزمته لأن الدراهم والدنانير جنسان حقيقة فيكون هو طائعا في جميع ما أقر به من الجنس الآخر ولا يقال الدراهم والدنانير جعلا كجنس واحد في الأحكام لأن هذا في الإنشاآت فأما في الإخبارات فهما جنسان كما في الدعوى والشهادة فإنه إذا ادعى الدراهم وشهد له الشهود بالدنانير لا تقبل والإقرار إخبار هنا فالدراهم والدنانير فيه جنسان .
وكذلك إن أقر له بنصف غير ما أكرهوه عليه من المكيل أو الموزون فهو طائع متى أقر به .
ولو أكرهوه على أنه يقر له بألف فأقر له ولفلان الغائب بألف فالإقرار كله باطل في قول أبي حنيفة وأبي يوسف سواء أقر الغائب بالشركة أو أنكرها .
وقال محمد إن صدقه الغائب فيما أقر به بطل الإقرار كله وإن قال لي عليه نصف هذا المال ولا شركة بيني وبين هذا الذي أكرهوه على الإقرار له جاز الإقرار للغائب بنصف المال .
وأصل المسألة ما بيناه في الإقرار أن المريض إذا أقر لوارثه ولأجنبي بدين عند أبي حنيفة وأبي يوسف الإقرار باطل على كل حال لأنه أقر بأن المال مشترك بينهما ولا وجه لإثبات الشركة للوارث فيبطل الإقرار