فيه ويجري إلى الموضع الذي ينتفع به الناس فقوله إذا بلغ الوادي الكعبين ليس بتقدير لازم بالكعبين بل الإشارة إلى كثرة الماء لأن في موضع الوادي سعة فإذا بلغ الماء فيه هذا المقدار فهو كثير يتوصل كل واحد منهم إلى الانتفاع به بقدر حاجته عادة فإذا أراد أهل الأعلى أن يحبسوه عن أهل الأسفل فإنما قصدوا بذلك الإضرار بأهل الأسفل فكانوا متعنتين في ذلك لا منتفعين بالماء وإذا كان الماء دون ذلك فربما لا يفضل عن حاجة أهل الأعلى فهم منتفعون بهذا الحبس والماء الذي ينحدر من الجبل إلى الوادي على أصل الإباحة فمن يسبق إليه فهو أحق بالانتفاع به بمنزلة النزول في الموضع المباح كل من سبق إلى موضع فهو أحق به ولكن ليس له أن يتعنت ويقصد الإضرار بالغير في منعه عما وراء موضع الحاجة فعند قلة الماء بدىء أهل الأعلى أسبق إلى الماء فلهم أن يحبسوه عن أهل الأسفل به قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام رضي الله عنه في حادثة معروفة وعند كثرة الماء يتم انتفاع صاحب الأعلى من غير حبس فليس له أن يتعنت بحبسه عن أهل الأسفل وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار وفي الروايات الناس شركاء في ثلاث وهذا أعم من الأول ففيه إثبات الشركة للناس كافة المسلمين والكفار في هذه الأشياء الثلاثة وهو كذلك وتفسير هذه الشركة في المياه التي تجري في الأودية والأنهار العظام كجيحون وسيحون وفرات ودجلة ونيل فإن الانتفاع بها بمنزلة الانتفاع بالشمس والهواء ويستوي في ذلك المسلمون وغيرهم وليس لأحد أن يمنع أحدا من ذلك وهو بمنزلة الانتفاع بالطرق العامة من حيث التطرق فيها ومرادهم من لفظة الشركة بين الناس بيان أصل الإباحة والمساواة بين الناس في الانتفاع لا أنه مملوك لهم فالماء في هذه الأودية ليس بملك لأحد فأما ما يجري في نهر خاص لأهل قرية ففيه نوع شركة لغيرهم وهو حق السعة من حيث الشرب وسقي الدواب فإنهم لا يمنعون أحدا من ذلك ولكن هذه الشركة أخص من الأول فليس لغير أهل القرية أن يسقوا نخيلهم وزروعهم من هذا النهر وكذلك الماء في البئر فيه لغير صاحب البئر شركة لهذا القدر وهو السعة وكذلك الحوض فإن من جمع الماء في حوضه وكرمه فهو أخص بذلك الماء مع بقاء حق السقي فيه للناس حتى إذا أخذ إنسان من حوضه ماء للشرب فليس له أن يسترده منه وإذا أتى إلى باب كرمه ليأخذ الماء من حوضه للشرب فله أن يمنعه من أن يدخل كرمه لأن هذا ملك خاص له ولكن إن كان يجد الماء قريبا