عشرة أذرع لأن ظاهر اللفظ يجمع الجوانب الأربع والأصح أن المراد التقدير بأربعين ذراعا من كل جانب لأن المقصود دفع الضرر عن صاحب البئر الأول لكيلا يحفر أحد في حريمه بئرا أخرى فيتحول إليها ما ببئره وهذا الضرر ربما لا يندفع بعشرة أذرع من كل جانب فإن الأراضي تختلف بالصلابة والرخاوة وفي مقدار أربعين ذراعا من كل جانب يتيقن بدفع هذا الضرر ويستوي في مقدار الحريم بئر العطن وبئر الناضح عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما حريم بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر الناضح سبعون ذراعا واستدلا بحديث الزهري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال حريم العين خمسمائة ذراع وحريم بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر الناضح ستون ذراعا ولأن استحقاق الحريم باعتبار الحاجة وحاجة صاحب البئر الناضح إلى الحريم أكثر لأنه يحتاج إلى موضع يسير فيه الناضح ليستقي فيه الماء من البئر بذلك وفي بئر العطن إنما يستقى بيده فلا يحتاج إلى هذا الموضع واستحقاق الحريم بقدر الحاجة .
( ألا ترى ) أن صاحب العين يستحق من الحريم أكثر مما يستحق صاحب البئر لأن ماء العين يفيض على الأرض ويحتاج صاحبه إلى اتخاذ المزارع حول ذلك لينتفع بما يفيض من الماء وإلى أن ينبني غديرا يجتمع فيه الماء فاستحق لذلك زيادة الحريم واستدل أبو حنيفة رحمه الله بالحديث الأول فإنه عليه الصلاة والسلام قال من حفر بئرا فله ما حولها أربعون ذراعا وليس فيه فصل بين بئر العطن والناضح ومن أصله أن العام المتفق على قبوله والعمل به يترجح على الخاص المختلف في قبوله والعمل به ولهذا رجح قوله عليه الصلاة والسلام ما أخرجت الأرض ففيه العشر على قوله عليه الصلاة والسلام ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وعلى قوله عليه الصلاة والسلام ليس في الخضراوات صدقة ورجح اصحابنا رحمهم الله قوله عليه الصلاة والسلام التمر بالتمر مثلا بمثل على خبر العرايا ولأن استحقاق الحريم حكم ثبت بالنص بخلاف القياس لأن الاستحقاق باعتبار عمله وعمله في موضع البئر خاصة فكان ينبغي أن لا يستحق شيئا من الحريم ولكنا تركنا القياس بالنص فبقدر ما اتفق عليه الآثار ثبت الاستحقاق وما زاد على ذلك مما اختلف فيه الأثر لا يثبت استحقاقه بالشك هذا أصل أبي حنيفة رحمه الله في مسائل الحريم ولهذا لم يجعل للنهر حريما وكذلك في غير هذا الموضع فإنه قال لا يستحق الغازي لفرسه إلا سهما واحدا لأن استحقاقه ثبت بخلاف القياس بالنص فلا يثبت إلا القدر المتيقن به فأما حريم العين خمسمائة ذراع كما ورد به الحديث لأن الآثار اتفقت عليه