يسلك فيها طريق الاحتياط بالإجبار على إعطاء الكفيل بالنفس لأن ذلك يرجع إلى الاستيثاق وهو ضد موضوع العقوبات ولكن السبيل أن يقول له ألزمه ما بينك وبين قيامي فإن أحضر البينة قبل أن يقوم القاضي وإلا خلي سبيله ولو أقام شاهدا واحدا لا يعرفه القاضي فإن أقام شاهدين أو واحدا عدلا يعرفه القاضي فإن القاضي يحبسه في السجن حتى يسأل الشهود لأنه صار متهما بارتكاب الحرام الموجب للعقوبة حين تم أحد شطري الشهادة والحبس مشروع في حق مثله .
( ألا ترى ) أن الداعر يحبس ولا يكفل حتى يأتي بشاهد آخر لأن الكفيل للاستيثاق بالحدود والقصاص وذلك غير مشروع فأما الحبس للتعزير فهو مشروع في حق من هو متهم بارتكاب الحرام وعلى قولهما لا يحبسه قبل تمام الحجة الموجبة للقضاء ولكنه يكفله ثلاثة أيام كما في دعوى المال .
ولو ادعى قبل رجل مالا بسرقة منه وقال بينتي حاضرة فإنه يؤخذ له منه كفيل بنفسه ثلاثة أيام لأن المدعي مال والاستيثاق بالكفالة فيه مشروع فإن قال قبضت منه السرقة لكني أريد أن أقيم عليه الحد لا يؤخذ منه كفيل لأن الحد يجب لله تعالى وهو ينبني على البرء والإسقاط فلا يستوثق بأخذ الكفيل بالنفس فيه وكذلك حد الزنى فإن طلب المشهود عليه من الذي شهد عليه بالزنى حد القذف فقال الشاهد عندي بذلك أربعة شهداء أجل فيه إلى قيام القاضي ليظهر عجزه بهذا الإمهال عن إقامة أربعة من الشهداء فإن لم يحضرهم أقام عليه حد القذف لأن السبب الموجب للحد قد تقرر وهو القذف مع العجز عن إقامة أربعة من الشهداء ولم يحل عنه ولا يكفل لأن ذلك يرجع إلى الاستيثاق ولكن الطالب يلزمه إلى قيام القاضي مراعاة لحقه حتى لا يهرب .
فإن قال الشاهدان المشهود عليه عبد فالقول قوله لأن ثبوت حريته بطريق الظاهر وبمثله يدفع الاستحقاق ولا يستحق الحد .
وإن طلب المقذوف من القاضي أن يأخذ له منه كفيلا حتى يحضر البينة أنه حر لم يؤخذ لأن هذا استيثاق لإقامة الحد ولكن القاذف يحبس على وجه له فقد استوجب ذلك بإشاعة الفاحشة حرا كان المقذوف أو عبدا ويؤجل المقذوف أياما بمنزلة ما لو أقام رجل عليه البينة بالرق فزعم أن له بينة حاضرة على الحرية وكما يؤجل هناك أياما ليتمكن من إثبات حريته بالبينة فكذلك هنا .
وإن أقام رب السرقة شاهدين على السارق وعلى السرقة وهي بعينها في يديه لم يؤخذ منه كفيل ولكنه يحبس وتوضع السرقة على يدي عدل حتى يزكي الشهود لأن في الاشتغال بأخذ الكفيل بنفسه أو بالعين المسروقة استيثاقا لإقامة الحدود