اختلف مشايخنا رحمهم الله فقال بعضهم يصدق ولا يحبس لأنه متمسك بالأصل وهو العدم فالقول قوله .
وقال بعضهم لا يصدق لأن التزامه المال اختيارا دليل قدرته ولو كان دينا وجب حكما باستهلاك مال .
ونحوه ينبغي أن يصدق .
ثم قال أبو حنيفة رحمه الله إذا حبس الرجل شهرين يسأل عنه وإن شاء سأل عنه في أول ما يحبسه والرأي فيه إلى القاضي إن أخبر بعد أويقات أنه معسر خلى سبيله وإن قالوا واجد أمر بحبسه حتى يذوق وبال أمره لأنه من الجائز أنه أخفى ماله فيشهد الناس على ظاهر حاله فتبطل حقوق الناس وإذا أخبروه أنه معسر أخرجه ولم يحل بين الطالب وبين لزومه عندنا .
وقال زفر رحمه الله يمنعه من ملازمته لأنه منظر بإنظار الله تعالى ولو كان منظرا بإنظاره لا يكون له حق الملازمة هكذا كنا نقول بأنه منظر إلى زمان الوجود ووجود ما يقدره على أداء الدين موهوم في كل ساعة فيلازمه إذا وجد مالا أو اكتسب شيئا فوق حاجته الدراة يؤخذ منه والكفيل بالمال والذي عليه الأصل سواء لأن خطاب الأداء متوجه على الكفيل كما هو متوجه على الأصيل وذكر عن الكلبي ومحمد بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس بني قريظة حتى نزلوا في حكم سعد رضي الله عنه في دار بنت الحارث حتى ضرب رقابهم فإذا تبين أن الحبس مشروع وإذا حبس الكفيل بالدين فللكفيل أن يحبس المكفول عنه حتى يخلصه إذا كان بأمره .
وكذلك لو لازمه الطالب كان له أن يلزم الذي عليه الأصل لأنه التزم الأداء من مال المطلوب بأمره فكان الأصيل ملتزما تخليصه فله أن يلازمه وليس للكفيل أن يأخذ المال حتى يؤديه لأنه إنما يرجع عليه بحكم الإقراض وإنما يتحقق هذا المعنى عند الأداء وإذا حبس رجل بدين فجاء غريم له آخر يطالبه فإن القاضي يخرجه من السجن ويجمع بينه وبين هذا المدعي .
فإن أقر له بالدين أو قامت له عليه بينة كتب اسمه فيمن حبس له مع الأول لأنه لو لم يكتب ربما يشتبه على القاضي أنه محبوس بدين واحد فيخلي سبيله فيكتبه حتى لا يخلي سبيله إلا بقضائهما .
وإن كان القاضي قد فلس المحبوس جاز إقراره لأشخاص في قول أبي حنيفة .
وأبي يوسف رحمهما الله .
ثم رجع أبو يوسف رحمه الله وقال تفليس القاضي إياه جائز ولا يجوز إقراره بعد ذلك ولا بيعه ولا شراؤه ولا بشيء يضيفه في ماله ما خلا العتق والطلاق والنكاح والإقرار بالسبب فإنا ندع القياس فيه ونجوزه وهو قول محمد رحمه الله وقول شريح وإبراهيم وبن أبي ليلى رحمهما الله ويعني بالتفليس أن يحكم بعجزه عن الكسب فيجعله كالمريض مرض الموت فيحكم بتعلق حق غرمائه في مال هذا