الآخر جاز لأنهما امتثلا أمره في القبض ثم لا يقدران على الاجتماع على حفظه آناء الليل والنهار وهو لا يحتمل التبعيض ليحفظ كل واحد منهما نصفه ولما استحفظهما على علمه بذلك فقد صار راضيا بترك أحدهما عند صاحبه ولكن إنما يعتبر هذا فيما يطول وهو استدامة الحفظ فأما في ابتداء القبض فيتحقق اجتماعهما عليه من غير ضرر فلهذا لا ينفرد به أحدهما وكما يجوز لأحدهما أن يودعه من الآخر يجوز لهما أن يودعاه عيال أحدهما لأن يد عيال المودع في الحفظ كيد المودع كما إذا كان المودع واحدا وهذا لأن المرء إنما يحفظ المال بيد عياله عادة وإن وكل بقبضه رجلا أجنبيا فالذي كان عنده الوديعة ضامن إلا أن يصل إلى الوكيلين لأن الحفظ يتفاوت فيه الناس لتفاوتهم في أداء الأمانة فلا يملك الوكيل بوكيل الأجنبي وصار تسليم المودع إلى الأجنبي بعد هذا التوكيل كتسليمه قبله فكان المودع ضامنا إلى أن يصل إلى الوكيلين فحينئذ وصوله إلى يدهما كوصوله إلى يد الوكيل في براءة الدافع له عن الضمان .
ولو وكل رجلا بقبض وديعته فقبض بعضها جاز لأن الوديعة قد تكون بحيث لا يمكن حمل كلها جملة واحدة فيحتاج إلى أن يحملها شيئا فشيئا ولا ضرر على الموكل في قبض الوكيل بعضها إلا أن يكون أمره أن لا يقبضها إلا جميعا فحينئذ لا يجوز له أن يقبض بعضها أو يصير ضامنا له لأن الموكل قيد أمره ونهاه عن القبض إلا بصفة فكل قبض لا يكون بتلك الصفة فهو قبض بغير إذن المالك فكان موجبا للضمان وإن قبض ما بقي قبل أن يهلك الأول جاز القبض عن الموكل لأنه قد اجتمع الكل عند الوكيل واندفع ضرر التفريق عن الموكل فكأنه قبض الكل دفعة واحدة .
ولو وكله بعبد له يدفعه إلى فلان وديعة فأتاه فقال إن فلانا استودعك هذا فقبله ثم رده على الوكيل فهلك فلرب العبد أن يضمن أيهما شاء لأن الوكيل حين أضاف الإيداع إلى الآمر فقد جعل نفسه رسولا وتبليغ الرسالة يخرج فكان هو في الاسترداد كأجنبي آخر فيصير المودع بالدفع إليه غاصبا وهو بالقبض كذلك فله أن يضمن أيهما شاء .
ولو قال له الوكيل قد أمرك فلان أن تستخدمه أو تدفعه إلى فلان ففعل فهلك العبد فالمستودع ضامن إن كان كذب الوكيل لأنه باستعمال ملك الغير بغير إذن المالك أو بدفعه إلى غيره يصير غاصبا ولا يضمن الوكيل شيئا لأنه لم يوجد منه فعل متصل بالعين إنما غره بخبره أو أخبره زورا وذلك غير موجب الضمان عليه كمن قال لغيره هذا الطريق آمن فسلكه فأخذ متاعه لم يضمن المخبر شيئا .
ولو وكله بقبض وديعة له عند فلان