بشهادة الزور لا يحل له تناوله ويكون ذلك منه أكلا باطلا وقال النبي صلى الله عليه وسلم إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم الحن بحجته من بعض فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقضي له بقطعة من نار والمعنى فيه أن قضاءه اعتمد سببا باطلا فلا ينفذ باطنا كما إذا قضى بشهادة العبيد أو الكفار أو المحدودين في القذف وبيان الوصف أن قضاءه اعتمد شهادة الزور وهو سبب باطل فإنه كبيرة وحجة القضاء مشروعة والكبيرة ضدها .
وإذا كانت تهمة الكذب تخرج الشهادة من أن تكون حجة للقضاء فحقيقة الكذب أولى ولأن ما قضى به لا كون له فيكون قضاؤه باطلا كما لو قضى بنكاح منكوحة الغير لإنسان بشهادة الزور وبيان الوصف أنه أظهر بقضائه نكاحا كان قد تقدم وإذا لم يكن بينهما نكاح فلا يتصور إظهاره بالقضاء عرفنا أنه قضى بما لا كون له ولا يجوز أن يجعل قضاؤه إن شاء لأن ولاية الإنشاء لم تثبت له فإن سبب ولايته دعوى المدعي وشهادة شهوده وهو إنما ادعى عقدا سابقا وبذلك شهد شهوده فلا يتمكن القاضي من القضاء بما لم يدعه المدعي ولا يشهد به الشهود ولأن القاضي لم يقصد إن شاء العقد بينهما وإنما ينفذ قضاءه على الوجه الذي قصده .
ألا ترى أن قضاءه في الأملاك المرسلة لا ينفذ باطنا لهذا المعنى ولا يجعل ذلك إنشاء تمليك منه وبه فارق قضاء القاضي بالفرقة بين المتلاعنين وبيعة التركة في الدين الثابت بشهادة الزور لأنه قصد الإنشاء هنا وما ظهر عنده من الحجة يصلح للإنشاء أيضا وكذلك في المجتهدات يثبت له ولاية الإنشاء بما لاح عنده من الدليل وقضاؤه إن شاء أيضا بطريق القصد منه إلى ذلك فأما هنا إنما قصد الإمضاء فلا يمكن أن يجعل منشئا .
ألا ترى أن رجلا وامرأة لو أقرا بالنكاح وهما يعلمان أنه لا نكاح بينهما لم يثبت النكاح بينهما باطنا بهذا الإقرار وهما يملكان الإنشاء ولكنهما بالإقرار أظهرا عقدا قد كان بينهما فلا يجعل ذلك إنشاء منهما ولأن المدعي متيقن بما لو تبين القاضي به امتنع من القضاء فلا ينفذ قضاؤه في حقه .
وإن كان القاضي معذورا لخفاء هذه الحقيقة عليه كما لو كانت امرأة مجوسية أو مرتدة أو منكوحة الغير أو أخته من الرضاعة .
والدليل على أن قضاءه ليس بإنشاء أنه لا يستدعي شرائط الإنشاء من الشهود والمهر والولي .
وأبو حنيفة رحمه الله تعالى احتج بما روى أن رجلا ادعى على امرأة نكاحا بين يدي علي رضي الله عنه وأقام شاهدين فقضى علي رضي الله عنه بالنكاح بينهما فقالت المرأة إن لم يكن بدا يا أمير المؤمنين فزوجني منه فإنه لا نكاح بيننا فقال علي رضي الله عنه شاهداك