أن يراقب الناس ورجوعه صحيح مقبول في حقه وإن كان مردودا فيما يرجع إلى حق غيره حتى إذا رجع قبل القضاء لم يقض القاضي بشهادته لبطلانها بالرجوع .
وإذا رجع بعد القضاء لم يبطل برجوعه حق المقضى له .
والأصل فيه الحديث الذي بدأ الكتاب به ورواه عن الشعبي رحمه الله تعالى أن رجلين شهدا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده ثم أتيا بعد ذلك بآخر فقال أوهمنا إنما السارق هذا فقال علي رضي الله عنه لهما لا أصدقكما على هذا الآخر وأضمنكما دية يد الأول ولو أني أعلمكما فعلتما ذلك عمدا قطعت أيديكما .
ففيه دليل أن الرجوع عن الشهادة صحيح في حقه وأنه عند الرجوع ضامن ما استحق بشهادته وأنه غير مصدق في حق غيره للتناقض في كلامه والمناقض لا قول له في حق غيره ولكن التناقض لا يمنع إلزامه حكم كلامه .
ثم الشافعي رحمه الله تعالى يستدل بالحديث في فصلين أحدهما في وجوب القصاص على الشهود إذا رجعوا بعد ما استوفى العقوبة بشهادتهم وزعموا أنهم تعمدوا ذلك في شهادتهم .
وفي أن اليدين يقطعان بيد واحدة فقد قال ولو أني أعلمكما فعلتما ذلك عمدا قطعت أيديكما فإذا جاز قطع اليدين في يد واحدة بطريق الشهادة فبالمباشرة أولى .
ولكنا نقول هذا اللفظ منه على سبيل التهديد بدون التحقيق وقد تهدد الإمام بما لا يتحقق قال عمر رضي الله عنه ولو تقدمت في المتعة لرجمت والمتعة لا توجب الرجم بالاتفاق ثم لم يكن من علي رضي الله عنه هكذا كذبا لأنه علق بما لا طريق إليه وهو العلم بأنهما فعلا ذلك عمدا فلم يكن هذا كذبا بهذا التعليق ويحصل المقصود وهو الزجر وهو نظير قوله تعالى بل ! < فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون > ! الأنبياء 63 ثم لم يكن هذا الكلام من إبراهيم صلوات الله عليه كذبا لأنه علقه بما لا يكون ومعناه إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم والدليل عليه أن من مذهب علي رضي الله عنه أن اليدين لا يقطعان بيد واحدة فقد روي ذلك عنه في الكتاب فبهذا تبين أن مراده التهديد .
وذكر عن حماد رضي الله عنه أنه كان يقول في الشاهدين إذا رجعا عن الشهادة بعد قضاء القاضي فإنه ينظر إلى حالهما يوم رجعا فإن كان حالهما أحسن منه يوم شهدا صدقهما القاضي في الرجوع ورد القضاء وأبطله وإن كان حالهما يوم رجعا مثل حالهما يوم شهدا دون ذلك لم يصدقهما القاضي ولم يقبل رجوعهما ولم يضمنهما شيئا وكان القضاء الأول ماضيا وبهذا كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أولا ثم رجع فقال لا أبطل القضاء بقولهما الآخر .
وإن كان أعدل منهم يوم شهدا ولكن أضمنهما المال الذي شهدا به وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى .
وجه قوله الأول