.
ألا ترى أنا لو عاينا ما أخبر به كان الملك ثابتا له بجهة الصدقة فكذلك إذا أخبر به وأثبته بالبينة .
وكذلك لو قال ورثتها ثم قال جحدني الميراث فاشتريتها منه وجاء بشاهدين على الشراء لأن معنى التناقض والإكذاب انعدم بتوفيقه وهذا بخلاف ما لو كان ادعى الشراء أولا ثم جاء بشاهدين يشهدان على أنه ورثه من أبيه لأن هذا في هذه المواضع لا وجه للتوفيق لأنه لا يمكنه أن يقول اشتريتها منه كما ادعيت ثم جحدني الشراء فورثتها من أبي .
وإذا اختلف شاهدا الرهن في جنس الدين أو مقداره فالشهادة لا تقبل لإكذاب المدعي أحد الشاهدين ولأن الدين مع الرهن يتحاذيان محاذاة الثمن للمبيع ثم اختلاف الشاهدين في الثمن يمنع قبول شهادتهما على البيع فكذلك في الرهن .
فإن اتفقا على ذلك واختلفا في الأيام والبلدان وهما يشهدان على معاينة القبض فالشهادة جائزة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى استحسانا .
وفي القياس لا تقبل وهو قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى وعلى الخلاف الهبة والصدقة وإن شهدوا على إقرار الرهن والواهب والمتصدق بالقبض جازت الشهادة بالإتفاق .
وجه القياس أن تمام هذه العقود بالقبض والقبض فعل واختلاف الشاهدين في الوقت والزمان في الأفعال يمنع قبول الشهادة كالغصب والقتل وهذا لأن المشهود به مختلف فالفعل الموجود في مكان غير الموجود في مكان آخر بخلاف ما إذا شهدوا على الإقرار فالإقرار كلام مكرر .
يوضحه أنه لو شهد أحدهما بمعاينة القبض والآخر بإقرار الراهن به لم تقبل الشهادة وجعل الرهن في هذا كالغصب ولم يجعل كالبيع فكذلك إذا اختلفا في المكان والزمان .
وللاستحسان وجهان أشار إلى أحد الوجهين هنا ( فقال ) لأن القبض قد يكون غير مرة .
وأشار إلى الوجه الآخر في كتاب الرهن ( فقال ) لأنه لا يكون رهنا ولا قبضا إلا بإقرار الراهن ومعنى ما ذكر هنا أن القبض بحكم الرهن فعل صورة ولكنه بمنزلة القول حكما لأنه يعاد ويكرر ويكون الثاني هو الأول .
ألا ترى أن المرتهن إذا قبض الرهن ثم استرده الراهن منه غصبا أو أعاره المرتهن إياه ثم قبضه منه ثانية فهذا يكون هو القبض الأول حتى يكون مضمونا باعتبار قيمته عند القبض الأول فعرفنا أنه مما يعاد ويكرر فلا يختلف المشهود به باختلاف الشاهدين في وقته بخلاف الغصب والقتل ولما أخذ شبها من أصلين توفر حظه عليهما .
( فنقول ) لشبهه بالأفعال صورة إذا اختلف الشاهدان في الإنشاء والإقرار لا تقبل الشهادة ولشبهه بالأقوال حكما لا يمتنع قبول الشهادة باختلاف الشاهدين فيه في الوقت والمكان .
ومعنى ما ذكر في كتاب الرهن أن حكم ضمان الرهن