وهذا لأن رجحان جانب الصدق لا يظهر في شهادة الفاسق لأن اعتبار اعتقاده يدل على صدقه واعتبار تعاطيه يدل أنه كاذب في شهادته فلتعارض الأدلة يجب التوقف ثم لما لم ينزجر عن ارتكاب محظور دينه مع اعتقاده حرمته فالظاهر أنه لا ينزجر عن شهادة الزور مع اعتقاده حرمته .
وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى يقول إذا كان وجيها في الناس ذا مروءة تقبل شهادته لأنه لا تتمكن تهمة الكذب في شهادته فلوجاهته لا يتجاسر أحد من استئجاره لأداء الشهادة ولمروءته يمتنع من الكذب من غير منفعة له في ذلك والأصح أن شهادته لا تقبل لأن قبول الشهادة في العمل بها لإكرام الشهود كما قال صلى الله عليه وسلم أكرموا الشهود فإن الله تعالى يحيى الحقوق بهم وفي حق الفاسق أمر بخلاف ذلك قال صلى الله عليه وسلم إذا لقيت الفاسق فالقه ( بوجه ) مكفهر ومن يكون معلنا للفسق فلا مروءة له شرعا فلهذا لا تقبل شهادته ولا شهادة آكل الربا المشهور بذلك والمعروف به المقيم عليه فإنه فاسق محارب قال الله تعالى ! < فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله > ! 279 ولكنه شرط أن يكون مشهورا به مقيما عليه لأن العقود الفاسدة كلها ربا قال الله تعالى ! < وأحل الله البيع وحرم الربا > ! 275 والإنسان في العادة لا يمكنه أن يتحرز عن الأسباب المفسدة للعقد في جميع معاملاته فقد لا يهتدي إلى بعض ذلك فلهذا لا تسقط عدالته إذا لم يكن مشهورا بأكل الربا مصرا عليه ولا شهادة مدمن الخمر ولا مدمن السكر لأنه مرتكب للكبيرة مستوجب للحد على ذلك وذلك تسقط عدالته وإنما شرط الإدمان ليكون ذلك ظاهرا منه فإن من يتهم بالشرب ولكن لا يظهر ذلك لا يخرج من أن يكون عدلا وإنما تسقط عدالته إذا كان يظهر ذلك أو يخرج سكرانا يسخر منه الصبيان فلا مروءة لمثله ولا يبالي من الكذب عادة ولا شهادة المخنث لأنه فاسق ومراده إذا كان مخنثا في الردي من أفعاله فأما إذا كان في كلامه لين وفي أعضائه تكسر ولم يشتهر بشيء من الأفعال الردية فهذا عدل مقبول الشهادة .
ألا ترى أن هبت المخنث كان يدخل بيوت أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم منه كلمة شنيعة أمر بإخراجه .
( ولا شهادة من يلعب بالحمام يطيرهن ) لشدة غفلته فالظاهر أن يكون قبله مع ذلك في عامة أحواله وأنه يقل نظره في سائر الأمور ثم هو مصر على نوع لعب وقال صلى الله عليه وسلم ما أنا من در ولا الدر مني والغالب أنه ينظر إلى العورات في السطوح وغيرها وذلك فسق فأما إذا كان يمسك الحمام في بيته يستأنس بها ولا