وإنما يسقط عنده بعفو المقذوف ويستوي في ذلك إن تاب القاذف أو لم يتب .
وكان ينبغي أن يقال إذا تاب حتى حرم بفسقه أن لا يقام عليه الحد لأن الحد لا يحتمل الوصف بالتحري .
والذي يوضح ما قلنا أن الثابت بالنص هو التوقف في خبر الفاسق كما قال الله تعالى ! < فتبينوا > ! 6 والمنصوص عليه هنا حكم آخر وهو الرد دون التوقف فعرفنا أنه ليس بسبب الفسق بل هو متمم للحد كما قررنا ولو كان رد الشهادة بسبب الفسق لكان في الآية عطف العلة على الحكم وذلك لا يحسن في البيان .
ولهذا الأصل قلنا بقبول شهادته قبل إقامة الحد عليه وإن لم يتب لأنه من تمام حده أو أنه بعد إقامة الحد وهذا لأن بإقامة الحد يصير محكوما بكذبه والمتهم بالكذب لا شهادة له فالمحكوم بالكذب أولى ويستدل بهذا في تعيين المسألة فإنه بعد إقامة الحد عليه في جميع الحوادث بمنزلة الفاسق إذا شهد في حادثة فردت شهادته فتلك الشهادة لا تقبل منه بعد ذلك وإن تاب لأنه صار محكوما بكذبه فيها فكذلك المحدود في جميع الشهادة .
وبيان ما قلنا فيما روي أن هلال بن أمية لما قذف امرأته بشريك بن سحماء قال المسلمون الآن يجلد هلال فتبطل شهادته في المسلمين فذلك دليل على أنه لا تبطل شهادته قبل إقامة الحد وأن بطلان الشهادة من تمام الحد وتأويل قول عمر رضي الله عنه لأبي بكرة تقبل شهادتك في الديانات .
( ألا ترى ) أن ما روي إن أبا بكرة كان إذا استشهد في شيء قال وكيف تشهدني وقد أبطل المسلمون شهادتي وهو أعلم بحاله من غيره فأما الذمي إذا أقيم عليه حد القذف سقطت شهادته وتم به حده لأنه كان من أهل الشهادة ثم بالإسلام استفاد شهادة لم تكن موجودة عند إقامة الحد وهذه الشهادة لم تصر مردودة وبه فارق العبد إذا أقيم عليه الحد ثم عتق لأن العبد لم يكن أهلا للشهادة وتمام الحد يرد الشهادة فيتوقف على ما بعد العتق .
فإن عتق الآن ثم حده ترد شهادته وهذا الفرق على الرواية التي يقول إن خبر المحدود في القذف في الديانات تقبل وأما على الرواية التي يقول لا يقبل خبره في الديانات وهو رواية المنتفى .
فوجه الفرق بينهما أن الكافر بالإسلام استفاد عدالة لم تكن موجودة عند إقامة الحد وهذه العدالة لم تصر مجروحة بخلاف العبد فهو بالعتق لا يستفيد عدالة لم تكن موجودة من قبل وقد صارت عدالته مجروحة بإقامة الحد عليه فلا تقبل شهادته بحال .
فإن قال القاذف عندي لا يكون أهلا للشهادة عند إقامة الحد عليه لأنه فاسق وإنما يستفيد الأهلية بعد ذلك بالتوبة .
قلنا لا كذلك فقد قامت الدلالة لنا على أن الفاسق من أهل الشهادة وفي قوله تعالى ! < ولا تقبلوا لهم شهادة > ! 4 ما يدل على ذلك ثم مذهبه هذا من أقوى دليل لنا عليه فإن عنده قبل التوبة لا شهادة له فلا تتصور رد شهادته ويتبين بهذا أن المراد من قوله تعالى ! < ولا تقبلوا لهم شهادة > ! 4 رد لشهادته بعد وجودها