ومن حيث إنه يحضر مجلس القاضي للأداء يسمى شاهدا وتسمى أداء شهادة ثم القياس يأبى كون الشهادة حجة في الأحكام لأنه خبر محتمل للصدق والكذب والمحتمل لا يكون حجة ملزمة ولأن خبر الواحد لا يوجب العلم والقضاء ملزم فيستدعي سببا موجبا للعلم وهو المعاينة فالقضاء أولى .
ولكنا تركنا ذلك بالنصوص التي فيها أمر للأحكام بالعمل بالشهادة من ذلك قول الله تعالى ! < واستشهدوا شهيدين من رجالكم > ! 282 وقال الله تعالى ! < اثنان ذوا عدل منكم > ! 106 وقال صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي وفيه معنيان أحدهما حاجة الناس إلى ذلك لأن المنازعات والخصومات تكثر بين الناس وتتعذر إقامة الحجة الموجبة للعلم في كل خصومة والتكليف بحسب الوسع والثاني معنى إلزام الشهود حيث جعل الشرع شهادتهم حجة لإيجاب القضاء مع احتمال الكذب إذا ظهر رجحان جانب الصدق وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله أكرموا الشهود فإن الله تعالى يحيي الحقوق بهم ولما خص الله تعالى هذه الأمة بالكرامات وصفهم بكونهم شهداء على الناس في القيامة قال الله تعالى ! < وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس > ! 143 وقد يجب العمل بما لا يوجب علم اليقين كالقياس في الأحكام بغالب الرأي في موضع الاجتهاد ثم القياس بعد هذا أن يكتفي بشهادة الواحد لأن رجحان جانب الصدق يظهر في خبر الواحد بصفة العدالة ولهذا كان خبر الواحد العدل موجبا للعمل وكما لا يثبت علم اليقين بخبر الواحد لا يثبت بخبر العدد ما لم يبلغوا حد التواتر فلا معنى لاشتراط العدد ولكن تركنا ذلك بالنصوص ففيها بيان العدد في الشهادات المطلقة كما لو تلونا من الآيات قال الله تعالى ! < وأشهدوا ذوي عدل منكم > ! 2 وقال الله تعالى ! < فاستشهدوا عليهن أربعة منكم > ! 15 وقال صلى الله عليه وسلم للمدعي ليس لك إلا شاهد شاهداك أو يمينه .
فإن ( قيل ) هذه النصوص بيان جواز العمل بشهادة العدد وليس فيها بيان نفى ذلك بدون العدد .
قلنا لا كذلك فالمقادير في الشرع إما لمنع الزيادة والنقصان دون الزيادة كأقل مدة الحيض والسفر أو لمنع الزيادة دون النقصان كأكثر مدة الحيض وهنا التقدير ليس لمنع الزيادة فلو لم يفد منع النقصان لم يبق لهذا التقدير فائدة وحاشا أن يكون التقدير المنصوص خاليا عن الفائدة ثم فيه معنى طمأنينة القلب وذلك عند إخبار العدد أظهر