ولا مكاتب ولا عبد يسعى في شيء من قيمته لأن شهادة هؤلاء لا تقبل والقضاء أعظم من الشهادة .
ولا يولى ( أحد ) من أهل الذمة شيئا من أمر القضاء كتابة ولا مسائلة لظهور الخيانة منهم في أمور الدين والسعى في إفساده على المسلمين .
( ولا ينبغي للقاضي إذا سافر أو مرض أن يستخلف إلا بأمر الإمام الذي هو فوقه ) لأن من قلده إنما رضي برأيه والناس يتفاوتون في الرأى والقضاء لا بد له من الرأى فلا يستخلف إلا بأمر من قلده كالوكيل لا يوكل غيره إلا بأمر الموكل والفرق بين القاضي والمأمور بإقامة الجمعة في الاستخلاف قد بيناه في كتاب الصلاة فإذا استخلف بغير أمر الإمام لم يجز قضاء خليفته إلا أن ينفذ هو قضاء خليفته فحينئذ ينفذه كما لو قضى به بنفسه لأن نفوذه برأيه .
( ألا ترى ) أن الوكيل إذا وكل غيره حتى باشر التصرف ثم أجاز الوكيل الأول نفذ ذلك منه وجعل أجازته كإنسائه وكذلك لو حكم حكما بين خصمين فهذا والاستخلاف سواء .
وقيل هذا كله إذا فعله خليفته لا بحضرته فإن فعله بحضرته جاز استحسانا لأن تمامه برأيه يكون بمنزلة الوكيل إذا وكل غيره حتى باع بحضرته وإن التبس عليه القضاء فاستشار فيه رجلا من أهل الصلاح والعفة وأخذ بقوله فانفذه بين الخصمين فهو جائز لما بينا أن القاضي فيما يعجز عنه يستعين بغيره ممن علم ذلك .
وإن طمع القاضي في أن يصلح الخصمين فلا بأس بأن يردهما ويؤخر تنفيذ الحكم بينهما لعلهما أن يصطلحا لحديث عمر رضي الله عنه قال ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث بين القوم الضغائن وفي رواية ردوا الخصوم من ذوي الأرحام .
( ولا ينبغي له أن يردهم أكثر من مرة أو مرتين إن طمع في الصلح ) لأن في الزيادة على ذلك إضرار بصاحب الحق وإن لم يطمع في الصلح أنفذ القضاء بينهم لأنه انتصب لذلك وإن أنفذ القضاء بينهم من قبل أن يردهم فهو في سعة من ذلك وليس بواجب عليهم ردهم إنما الواجب عليه ما قلد من العمل وهو القضاء بالحجة وقد أتى بذلك .
( وليس ينبغي للقاضي أن يسمع من رجل واحد حجتين أو أكثر من حجتين في مجلس واحد ) لأنه مأمور بين الناس بالتسوية وإذا سمع في مجلس واحد من رجل واحد حجتين أو ثلاثا أضر بذلك بسائر الناس إلا أن يكون الناس قليلا ولا يشغله ذلك عنهم وكان يفرغ من حوائجهم قبل أن يقوم فلا بأس به حينئذ لأنه لا ضرر فيه على أحد ممن حضر مجلسه .
( ولا ينبغي للقاضي أن يقدم رجلا قد جاء رجل غيره قبله لفضل منزلته وسلطانه ولكن يقدمهم على منازلهم ) لأن الذي سبق بالحضور وقد استحق النظر في حاجته فلا